آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

عدو الحياة الأول !

ليلى الزاهر *

تزدحم الحياة بأجناس مختلفة من البشر؛ منهم من يراها بألوانها الزاهية الجميلة؛ ومنهم من يزن حياته بقشر بصلة؛ لأنه يحمل على كتفيه آلامًا يَصعب تحملها، ويسعى جاهدا لصرفها من طريقه.

ولايخلو الأمر من مساندة الأصدقاء والأحباب الذين يضمدون الجراح، ويحضنون الآلام، بل يُصلّون ويتضرعون من أجل رفع البؤس والشقاء عن أحبتهم.

إنّ من إمارات المؤمن الحقيقي الرحمة بالضعفاء؛ لأنه كلّما زادتْ رحمة الإنسان بأخيه الإنسان اقترب من صفات الله تعالى فهو الرحمن الرحيم.

يقول الرسول الكريم:

«جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدّابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه»

وأعظم مواطن الرحمة تتجلى بالرفق بمن فقد له حبيب أو عزيز على قلبه وخاصّة قلوب الأمهات الفاقدات.

‏تقول إحدى الأمهات:

كنّا نتأمل الصّور ونتجاذب أطراف الحديث، وكنت أتحدثُ بمشاعر الشوقِ واللهفة عن ابني الذي لم أره منذ سنتين لظروف دراسته في الخارج.

‏ولكنني توقفتُ وأدرتُ الحديث نحو وجهة أخرى مختلفة تمامًا؛ عندما أقبلتْ صديقتي التي فقدتْ ابنهافي حادث سير ٍمروّع.

‏⁧‫ويبدو الأمر مختلفًا تماما عندما يتجرد الإنسان من مظاهر الرحمة إذ تظهر عليه إمارات اللاشعور بالآخرين؛ فيقابل الناس بردود كلامية مؤلمة تزيد أوجاعهم، فيقسو عليهم من حيث لايعلم.

بينما يُصاب البعض بالدهشة في المواقف المحزنة فيخطئ من حيث يريد أن يُصيب.

ينقل أحدهم موقفا حدث له قائلًا:

قابلني شخص وأنا أبكي على صديقي الذي فقدته منذ زمن قريب فقال لي: نفقد أصحابنا بالموت ولانفقدهم وهم أحياء!!

فإذا كان الموت عدو الحياة الأول وكانت مواجهته هزيمة لابد منها إذًا لامناص أن نرحم أحبابًا أردتهم سهامه فألقوا بأنفسهم في تيارات الحزن المغلقة ولم يبقَ لهم سوى الذكريات المؤرقة، بل أنهم يجدون صعوبة في تخطي قهر الموت وأوجاعه المضنية؛ فرفقا بهم إنهم يتألمون.

إننا في الحياة اليومية نجدُ نماذجا عديدة لأناس حسُنت طبائعهم، لهم بصمة رائعة وأثر جميل لايمكن طمسه؛ يُحيلون الحياة إلى جنة وارفة الظلال بالسكن بجوراهم؛ هؤلاء يمتلكون القدرة على مواراة الحزن وكبح جماح الألم.

قد نستطيع تعويض خسائر الموت بإذن الله بالكلمة الطيبة، واحتواء الآخرين، وإدخال السرور إلى قلوبهم المثخنة بالتّأَوُّه.