آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:48 م

زوايا أسرية 6

محمد الخياط *

الحياة الزوجية ليست رحلة اختبار

المشاكل مغلقة ومفتوحة بين حلم ووهم

المختص بين نعم - لا - ولكن

حين الحديث عن زوايا الخلافات الزوجية التي يسودها الاضطراب والنزاع وعدم الاستقرار وما يجري من هدم وتعارض لكثير من الثوابت، هل تعد رحلة استكشاف حتمية لانهاية لها؟

هل الأمر طبيعي أن يتجاهل الإنسان السوي كل أبعاد التنافر المعرفي فقط لأنه يميل لعقلنة اللامعقول والبحث عن الرضى لانشغاله بموضوعين يحتلان نفس الأهمية وخلق حالة من عدم الاتساق الداخلي والارتياح النفسي، ودعم التنبؤات الذاتية التحقق؟!

كلما كان هناك مستوى مرتفع للخلاف الزوجي تزداد حالة التوتر والقلق والشعور بالحاجة للأمن النفسي للتخلص من الأفكار المتناقضة والتوجه الجاد لإعادة تقييم السلوك للحد من حالة التنافر

يعيش كثير من الأزواج معتقدين أن حياتهم ستسير وفق ما هو مقرر لها، وأنهم الوحيدون لهم القدرة والمعرفة الذاتية على مواجهة كل الصعوبات وحلها بمفردهم مستخدمين عبارات أنا أعرف، أنا أفهم، أنا من يقرر ما هو مناسب،، وهؤلاء من يطلق عليهم بأصحاب «المرجعية الداخلية» والسبب يعود أن بعض البشر يصعب عليهم فهم أو تقبل ذلك وليس عندهم أهمية أن تكون الأفكار خاطئة أو صحيحة مما يجعلهم يعيشون في خلافات مستمرة نشير إليها هنا بعناوين مختلفة «تنافر - خصومة - عدم انسجام - نزاعات - عنف» وجميع مصادر الخلافات الزوجية هي ليست وليدة اللحظة فقط، إنما هي نتاج تراكم زمني وقد يكون منذ الفترة الأولى للاقتران بافتقادهم القدرة على التوافق والحوار والنزاهة والاهتمام باحتياجات بعضهم للمصداقية في القول والفعل بإظهار المودة والمحبة.

وعند الحديث عن وجود خلل في سير العلاقة الزوجية تدخل في نفق أعقد وأكبر يحتاج لتحليل وتشخيص المشكلة وتفكيك عناصرها «قبل وأثناء وبعد»، ودراسة الوضع وتحديد المشكلة وتحليلها، واقتراح الحلول واختيار الأنسب منها، وتنفيذ القرار ثم تقييمه والتساؤل الدائم الذي يفرض نفسه ويطرحه الأزواج أو المحيطين بهم، هل هناك أمل وأفق لحل المشاكل التي يصل لها الأزواج بعد أن دب الشعور باليأس وبنى جدران من التعقيدات لكثرة المحاولات والنقاشات والاتفاقات السابقة من مساومة وحلول وسطية وعهود ومواثيق؟

إلا أن عدم التعاون وتكرار ذات الموقف هو الأبرز، فيعتقدون أنهم لن يصلوا إلى جدوى أو نتيجة مرجوة لكثرة العوائق التي تحتاج لجهود كبيرة وعمل دؤوب في تحديد المشكلة ووصفها وطرح الخيارات المتاحة والمعتمدة والقرارات التي تتطلب الكثير من الجهد والوقت والطاقة والمعرفة بحجم المخاطر المحتملة والحقائق والأوهام والأقاويل واستعراض جميع زوايا التعرف على ما يمكن التعرف عليه لتجاوزه ووضع خارطة طريق وآلية ومنهج واضح المعالم بالعلم والمعرفة والفكر والمهارات والأخلاق والحوار والاستماع للمتحدث والصبر والجرأة

في طرح أبعاد دراسة القضية من جميع جوانبها، وأهمية النتائج المحتملة وطرق التعامل الاستكشافي في السلوك الايجابي قبل أن يتحول إلى سلبي لاعتقادهم أن ذلك يمنحهم ما يريدون.

ويمكننا تقسيمها إلى أبعاد أولية في التشخيص العام:

البعد الاول: المشكلة المغلقة «المرجعية الداخلية»

هم من يعتقدون أن قراراتهم هي الأصح والأنسب لعدم تكمن الآخرين من معرفة قضاياهم واظهارها على السطح لبقائها في دائرتها المغلقة لفترة من الزمن، حتى أصبحت تحتاج إلى البحث والاحاطة والتعاون والصدق فيما يُنقل وما يُحيط بها من تحديات ومن أوامر ونواهي والحدود التي تُعد من المحذورات ولا يمكن تجاوزها بسهوله لأسباب معروفة وغير معروفة لقلة الاهتمام والتسويف وبتدخل أشخاص غير متخصصين من المحيطين بالزوجين فتزداد المشكلة تعقيداً أكثر مما هي عليه، فتكون المشكلة في دائرة المعلوم بعد إن كانت في الدائرة المغلقة والكل يدلو برأيه، وهناك من يُصاب بحالة من الهلع والخوف فيعود إلى الدائرة المغلقة فتكون مرجعتيه داخليه، فلا يسمع ولا يسمح لأحد وقراره فردي، وبعضهم يعتقد لإراحة نفسه مما هي فيه يلجئ إلى المحاكم للطلاق المباشر، فتنهار الأسرة بسبب تحويل المشكلة إلى صراع وعناد وتحدي سلبي نفسي، ولعدم تقدير المحيطين بحجم الخلاف والتدخل السلبي بين الزوجين تصبح حياتهم كارثية غير قابلة للحوار والحل، وفي أحسن الأحوال تكون حياتهم غير مستقرة وقابلة للانفجار في كل وقت،،

العبد الثاني: المشكلة المفتوحة من لهم «مرجعية خارجية»

المعتمدون كلياً على توجيهات الآخرين من نصح وتحفيز وعندهم من الصعوبات مالا يُمكنهم من اتخاذ القرار فيعاني بعض الأشخاص من عدم تمكنهم كتمان خلافاتهم الزوجية فتكون منشورة على رؤوس الأشهاد فيصعب تقييدها أو تحييدها لتعدد أطراف غير المتخصصين في توجيه المعني بالمشكلة «الزوجين» فتتحول النتيجة إلى قضية غير قادرين على الإمساك بأطرافها لكثرة الآراء، فهم يسيئون ويفسدون العلاقة أكثر مما يصلحون بين المرء وزوجه، وإن كانت نوايا بعضهم صادقة.

علاقة مقدسة لا مكان فيها للريبة والاختبار

الاختلاف في الرأي بين الزوجين خصوصاً في السنوات الأولى تقترب وتفترق وتتشابك وجهات النظر الشخصية لتعارض المصالح واختلاف الطباع والقيم وبعض الأهداف والبيئات الحاضنة والتطلعات وفي أحسن الأحوال عدم وضوح أسباب الاختلاف ومدارها يتراوح بين مد وجزر في دائرة الأساليب والمواقف وعدم التمييز بين ما هو حوار ونقاش وتوجيه أصابع الاتهام لبعضهم، لذلك عادةً وليس غالباً يتخذ الحوار عند بداية الحياة الزوجية نموذجاً يُشكل حالة من الازعاج المقلق للنفس والمرهق للجسد والمال لاستخدام أساليب وألفاظ تدل على استجواب وتحقيق واختبار يشعرك كأنك طالب أو متقدم لوظيفة وتحتاج اثبات مهاراتك ومواهبك للآخر، وهذا ما يزيد من النفور والقلق المَرضي لشعور أحدهم بالإهانة والاستصغار لكثرة الاتهام المتواصل من قبل أحدهم وأن أنفاسه محسوبة عليه، ومطلوباً منه اجابات محددة لا تحتمل التنبؤ بما يعلم وبما لا يعلم، فيواجه اللوم والعتاب في حالة الخطأ والشك والريبة ووضع علامات استفهام اتجاه أحدهم.

هذه العلاقة الزوجية المشوهة في الحوار والمناقشة والمعاملة والبعيدة كل البعد عن المنطق العقلي والانساني والاسلامي تطفو على السطح بين الحين والآخر بين الزوجين لسوء النية وعدم حسن الاختيار وللجهل بمعنى الترابط الزوجي والغبن والشكوى الدائمة ومطلوب من أحدهما الدفاع عن نفسه عند كل فعل أو سلوك يُقام من أحدهما، فيكون الصراع والتحديات والخصومة والاساءة وانعدام البنى الأساسية التي بموجبها كان رباطهما المقدس

لقوله تعالى وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» سورة الورم 21

يشاركك شخص آخر برباط وميثاق خبراته واهتماماته وأساليب حياته وتأثيرها على حياتك الشخصية والمهنية وحتى وقتك وملبسك ومأكلك ومشربك وذهابك ومذهبك، ويحمل المسؤولية المشتركة والمشقة في قبول تغيير وتقدير الأفكار والقبول بالعيش المشترك تحت سقف واحد يضيف اسمه إلى اسمك وصفته إلى صفتك، هذه الأسباب والصفات أكثر ما تكون عناوين مستقلة يقع فيها سوء الفهم والاختلاف لاختلاف مفاهيم الحياة الزوجية وحقوق كل طرف منهم ومستوى النضج الحياتي والتطلعات والولاء الأسري مع التقدير لكل ما يحيط به من ظروف اجتماعية مجتمعية اقتصادية سلوكية وقيم ومعتقدات كل شخص منهم.

حياة مشتركة وشكوى هل تنتهي!!

إن كنت ترغب التنبؤ وقراءة ما سيؤول إليه حال الزوجين المختلفين فأفضل شيء تفعله لهم في بداية الجلسة الأولى الاهتمام والمبادرة بإغلاق الدوائر المحيطة بالمشكلة الزوجية والتأكيد على أهمية اللجوء إلى المختصين وزرع الثقة بين المرشد والمسترشد، لإدارة الصراع بمهارة بين الزوجين المختلفين وعدم النقولات أو تغليب رأي على آخر، وتكون دفة الحوار بيدك لتسمع إلى الطرفين وطرح التساؤلات وتجيب عليها بمهارة بعد أن تشعر بالإمكانيات والقدرات والرغبة والدافعية بما يُمكنهم من تجاوز العقبات والنكسات والانكسارات، وهل يَمكنهم الجزم والعمل على تحسين آلية النهوض بما تحمله الحياة من سوء فهم واختلاف في الطباع ووجهات النظر وعادات اللامبالاة والخوف من القيود على تحقيق المصالح الشخصية والزوجية المشتركة؟

المختص بين «نعم - لا - ولكن»

حين تقرر أن تكون اجابتك بقولك «نعم» في ذات الوقت مطلوب كلمة «لا» أو النطق بكلمة «ولكن» ومطلوب الايفاء بها، وبذل أقصى الجهود للوفاء بما يعدون وقبولهم بالمعالجة ومقاومة الأعاصير التي تعصف بحياة الزوجين وتنمية دورهم وقدراتهم الذاتية من تحسين مستوى الاستماع والحوار والقدرة على امتصاص الصدمات وإدارة الخلافات والتغاضي عن التقصير غير المتعمد والمحافظة على قيم التقدير والاحترام وحسن المعاملة والمحبة وايجابيات كلاً منهم وعدم فتح الملفات المغلقة، ومن الخطر المحدق شعور أحد الزوجين باصطفاف المختص مع الآخر فلن تكون جلسات الصلح ذات جدوى وقد تصل إلى التهديد المبطن أو المباشر، فاختيار الألفاظ يُمكنك ويحميك من معرفة متى تقول «نعم، لا، ولكن» والوسيلة التي تتناسب مع الموقف وتتعامل معه بنضج واهتمام تصل إلى المأمول والعمل على اعادة العلاقة بين الزوجين إلى مسارها الطبيعي بسلوك ومعايير وقيم تختلف أو تتفق مع ما هم عليه وهو دور المختص في عمل التوازنات وتعزيز نقاط التقاطع والتوافق للعديد من المواقف التي توثق ترابطهم معاً، مع تجنب الكثير من العبارات الساذجة التي تشعر الزوجين أنك تستهين بقدراتهم، هذا مدعاة للنفور ويزيد من الارباك في علاقتهم.

لذلك على الاخصائي النفسي والمرشد الأسري والمصلح الاجتماعي العمل في إعادة البناء ونمذجة الكثير من الأفكار السلبية وتشريحها إلى وحدات ومناقشتها ضمن جدول معرفي سلوكي لتحويل السلوكيات السلبية إلى أفكار ايجابية عبر قيم ومسؤوليات وتبصيرهم بالعلم والمعرفة والمهارة وزرع الثقة بالنفس والواقع الذي ليس محط جدل وإعدادهم لمواجهة المستقبل بالصبر والحكمة والبصيرة والأخلاق الحميدة، وهناك مهارات ووظائف أخرى يمارسها المختص في التدرج ومراجعة وتعديل وتحليل السلوك وترجيح ما هو مهم وضروري وذات أولوية للمنهج السلوكي المعرفي والتحليلي.

كاتب سعودي ومدرب في شؤون الأسرة