آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

سقف القانون

محمد أحمد التاروتي *

سلطة القانون حاكمة على الجميع، باعتبارها العقد الاجتماعي القادر على وضع الأمور في نصابها، فخرق القانون يهدم الكثير من القواعد الحاكمة في المجتمع، مما يعرض الجميع لمخاطر كبيرة، جراء تجاوز الخطوط الحمراء، وسيطرة أصحاب النفوذ على الساحة الاجتماعية، الامر الذي يحدث حالة من الاضطراب الداخلي، وسيطرة الخوف، وغياب العدالة الاجتماعية.

تفعيل القانون مرتبط بوجود أدوات فاعلة وقادرة، على ترجمة النظام الى واقع ملموس، مما يعزز ”هيبة القانون“ لدى الصغير والكبير، انطلاقا من مساواة الجميع امام النظام، وبالتالي فان محاولة تجاوز القانون تمثل جريمة كبرى، تستوجب العقاب والتجريم، بغض النظر عن الطرف المتسبب، الامر الذي يحدث استقرارا اجتماعيا لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، نظرا لوجود قانون قادر على تحقيق العدالة، وانزال القصاص العادل تجاه الأطراف المتجاوزة.

ثقافة القانون عملية تراكمية، وليست مرتبطة بالاجبار في الغالب، فالمجتمعات التي تسودها ثقافة احترام القانون، تتحرك وفق قناعات راسخة، بضرورة الالتزام وعدم السماح بتحطيم المفاهيم السائدة، الامر الذي يتجلى في المعاملات اليومية، والحرص على ترجمة القانون، في الكثير من الممارسات الحياتية، انطلاقا من ثقافة قائمة على أهمية تفعيل القانون في المجتمع، نظرا لأهمية التحاكم للنظام ورفض مختلف اشكال الفوضى، بحيث يظهر في القدرة على إيقاف الصغير والكبير امام القانون، بمعنى اخر، فان ثقافة القانون لا تعترف ب ”الأسماء“، ولا تتعامل مع المظاهر، بقدر ما تتحرك باتجاه تكريس ”سلطة القانون“، باعتبارها العملية الأكثر قدرة على تحميل الكل قراراته الحياتية، وتحمل تبعات الاعمال، مما يسهم في ردع الجميع، من اللجوء الى الممارسات المخالفة للنظام.

الدفاع عن القانون عملية أساسية، في تكريسه في الواقع المعاش، فهناك الكثير من الأنظمة المثالية والجيدة، ولكنها ما تزال حبيسة الدوائر، وغير ملموسة على الواقع، نظرا لعدم وجود اطراف قادرة، على تفعيلها على الواقع الاجتماعي، مما يحدث حالة من التناقض بين الواقع الحياتي والأنظمة المكتوبة، وبالتالي فان الدفاع عن القانون مرتبط بوجود عناصر قادرة على احياء النظام، وعدم السماح بتجاهله على الاطلاق، انطلاقا من قناعات راسخة بضرورة وضع الجميع امام القانون، وعدم الاعتراف بالنفوذ، او الخشية من أصحاب السلطة، نظرا لما يمثله خرق القانون من خطورة كبرى، على الاستقرار الاجتماعي، وانقلاب المفاهيم، وسيطرة ثقافة الفوضى، في الممارسات اليومية.

ادراك المجتمع بتبعات تجاوز الخطوط الحمراء، يحول دون ارتكاب التجاوزات، ويعزز ثقافة احترام النظام، لاسيما وان العقاب يولد حالة من الخوف، ويدفع باتجاه الالتزام بالقانون، ”من امن العقوبة اساء الادب“، وبالتالي فان انزال العقوبة، وعدم التهاون، تجاه مختلف اشكال التجاوزات، يعطي إشارات واضحة، بضرورة انتهاج الطرق الامنة، وعدم اللجوء الى الوسائل المتلوية لخرق القانون، ”من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته“، فسلطة القانون قادرة على قول الكلمة الفصل في مختلف الممارسات، انطلاقا من مساواة الجميع امام القانون، فالتغاضي عن التجاوزات يترك تداعيات سلبية، ويسهم في ذهاب هيبة النظام في نظر البعض، مما يسهم في انتشار ثقافة تجاوز النظام، بشكل تدريجي في البيئة الاجتماعية، بحيث تصبح ممارسة يومية وغير مستنكرة، الامر الذي يتطلب جهود كبيرة، في سبيل إعادة الأمور للوضع الطبيعي.

هيبة القانون قادرة على إرساء ثقافة اجتماعية، من خلال تحكيم النظام على الجميع، ورفض الانتقائية في التعاطي مع نصوص القانون، ”إنما هلك الذين ممن كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها، فقطع يد المخزومية“، فالانتقائية تولد خيبة امام لدى بعض الأطراف، مما يحفز على ضرب القانون بطرق مختلفة، الامر الذي يدخل البيئة الاجتماعية في دائرة الخطر، وتسيطر المحسوبية في المعاملات اليومية.

كاتب صحفي