آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

المسافة بين الأرض والسماء - دعوة

بعيدةٌ هي المسافة بين السماء والأرض إذا قسناها بوحدات قياس الطول، لكن ما أقصرها إذا قسناها بسرعة وصول دعوة المظلوم على الظالم. تنام عيونُ الناس ويبقى صاحبُ الظلامة يقطّع ساعاتِ الليل، يسأل متى يأخذ الله له بحقه ويستعيد إنسانيته وحرمته؟ وإذا لم يجد من يعينه من الناسِ استجار بربِّ الناس:

تنام عينك والمظلومُ منتبهٌ
يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تنمِ

لا نحتاج أن نكون أقوياء لنَظلم، وفي القائمة ما يكفي من الضعفاء: الزوجُ والزوجة، الابن والبنت، الأب والأم، الأجير والمرؤوس، وغيرهم الكثير من الضعفاء، واحدٌ يكفي فكيف إذا كان في القائمةِ مظاليم وظُلامات؟ وعلى خلاف الشاعر أبي الطيب المتنبي الذي يقول:

وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ
ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ

أعتقد جازمًا أن من يظلم هو الضعيف المعلول الذي يشحذ مُدُياته وسكاكينه، أما القوي السليم المؤمن فلا يحتاج إلى الظلم. ومن الفطرة السويَّة التي فطر الإنسان عليها العدل والخير، إلا أن يخربها صاحبها بما فعلت يداه!

في الكون معادلات وقوانين تضبطه كما تضبط الخطوطُ الحمراء حركةَ العابرين والسائرين في الطرقات. منها: كلُّ طابخ سمّ سوف يأكله، ومن حفر لأخيه حفرةً وقع فيها. خطَّان أحمران اختصرهمَا الشاعر الفذ إيليا أبو ماضي في قوله:

وَكُلُّ طابِخِ سُمٍّ سَوفَ يَأكُلُهُ
وَكُلُّ حافِرِ بِئرٍ واقِعٌ فيها

لَو دامَ إيمانُها لَم تَنطَلِق سَقَرٌ
بِدورِها وَالأَفاعي في مَغانيها

يكفي أن تعيش لترى كيف تدور رحى الأيام فتعرف أن الغدرَ مطيَّة تحمل ممتطيها نحو البلايا، وإنه لمن المحتوم أن تدور على الباغي الدوائر لأن المشكلة هي مع الله والظلم اعتداءٌ على الانسان الذي خلقه اللهُ وأحبه مهما كان جنسه أو معتقده، ولو كان كافرا. وإذا أردت أن تطمئن للمعادلَة الربانية أكثر، اقرأ كتبَ التاريخ، وسوف تجد كيف من ظَلَم وكان جلَّادًا مَجِل ظهره من السياط بعد ما دارت عليه الدوائر.

كلنا اليوم نصرخ: نحنُ أبرياء، لله الحمد، ولا نظلم أحدا، فهل هذا صحيح؟ من أقبح الظلم، ظلم النفس: سَبَهلَل، لا تربيها ولا تطورها، ولا تنهاها عن المآثم. لا تعتني بالروح ولا تعتني الجسد، وكأنها عدوٌّ من الأعداء. فهل ليس في كلنَّا واحد أو أكثر من هذه المعاني؟!

مستشار أعلى هندسة بترول