آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 12:09 م

يا أيها المعدود أنفاسه …

المهندس هلال حسن الوحيد *

استيقظنا أنا وأنتَ والكثير من الناسِ اليوم، ولم يستيقظ أناسٌ آخرون، وذلك ببساطة لأن أنفاسهم المكتوبة لهم انتهت، فإذا كانت هذه الأنفاس معدودة، فلماذا الصراع والاحتراب على معدودٍ وفان؟

أخي، لا تسرق اللقمةَ من فمي، فالله خلقَ ما يكفي لنا كلنا وفوقَ الأرضِ متَّسعٌ وتحتَ الأرضِ متَّسعٌ وبين الأرضِ متَّسعٌ، وكم يكفينا لو تعمقنا وتأملنا؟ ليس الكثير! لكن على العكس تمامًا، يغلبنا طولُ الأمل ونعتقد أن الأنفاسَ لا نهايةَ لها فلا حدودَ إلا ونعبرها ولا حواجزَ إلا ونكسرها، ثم ماذا؟

كلُّ ما في الكونِ وهمٌ أو خيال *** أو عكوسٌ في المرايا أو ضلال

بينما نحن نتنفس غير واعين ولا مدركين ماهو مطلوب من الحياة يأتي نداءُ الربّ للمَلَك الموكل: فلانٌ أخذَ آخرَ نفسٍ له واستوفى كلَّ ما كُتب له في الدنيا من رزق، ولم يبق له من الدنيا شيء مستحق واسمه الآن في دار الحقيقة والآخره فأحضر روحه. "يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا ابنَ آدم من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبستَ فأبليت، أو تصدقتَ فأمضيت؟!

وأنت تستهلك هذه الأنفاس المعدودة: كلْ فلَمْ يخلق الله الطيبات إلا لعباده، وتمتَّع فلم يخلق الله المتع إلا لعباده، لكن حذار أن تستغرق فيها إلى درجةِ الخروج عن المعقول والمسموح. مات فلانٌ وترك الملايين! وما يفعل أهله بالملايين؟ يستثمرونها لتأتي بملايين أكثر! كيف؟ وآخر مرة زرنا أنا وأنتَ المقبرة لم نعرف من عاشَ فقيرًا، ومن كانَ غنيًّا مترفا!

يحكي التاريخ أن ذا القرنين انطلق يسير في البلاد حتى مرَّ بشيخٍ يقلب جماجمَ الموتى، فوقف عليه بجنوده، فقال، له أخبرني - أيها الشيخ - لأي شئ تقلب هذه الجماجم؟ قال: لأعرف الشريفَ من الوضيع، والغنيَّ من الفقير، فما عرفت، وإنِّي لأقلبها منذ عشرينَ سنة، فانطلق ذو القرنين وتركه، وقال: ما عنيتَ بهذا أحدًا غيري.

حكاية الأنفاس المعدودة هي كالتالي:

يا أيها المعدود أنفاسه *** لا بد يومًا أن يتمَّ العدد

لا بدَّ من يومٍ بلا ليلهٍ *** أو ليلةٍ تأتي بلا يومِ غد

ومع كلِّ نَفَس، لا تترك الدنيا من أجلِ الآخرة ولا تترك الآخرةَ من أجل الدنيا.

مستشار أعلى هندسة بترول