آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

بين المحامي والطبيب والحرفي!

المهندس هلال حسن الوحيد *

في صالة الرياضة - فجر اليوم - كان إلى يساري شابٌّ يدرس المحاماة، وعلى الجهةِ الأخرى شابٌ يدرس الطبّ البشري، والثالث كان حرفيًّا يعمل في مؤسسةٍ خاصة. طوبى لهم وغبطة، هكذا يرتقون ويرتقي بهم وطنهم، وحقًّا احترت أي مهنةٍ وأي تخصصٍ أجمل من الآخر!

كلهم من أحباء الله، واليوم نحن في عصرٍ متغير، لا تحصى فيه التخصصات العلمية النافعة والماتعة التي هي بمثابة الحجر الأساس، من فوقها يُبنى ويُشيّد كل شيء في جميعِ قطاعات الحياة، فلا أحد يجادل في نفع العلم وضرر الجهل، بل النقاش يكون في أي تخصص وأي حرفةٍ أجدى وأنفع.

وإن كنا لطالما نسمع أن كلَّ الصيد في جوفِ الفراء، وكل الأجرِ والثواب في كتب الفقه وعلوم الدين والأخلاق. لكن في الدنيا أيضًا الكثير من العلوم التي يجب أن يطلبها الإنسان، وهي علومٌ غير دينيّة لكنها هامة وفيها منافع جمَّة لحياةِ الناس. فهل تصح العقول إن لم تصح الأجساد وينتظم المعاشُ والاقتصاد؟

إن الكثير من العلومِ الطبيعية توصل بطريقةٍ أو أخرى لمعرفة الله، ولعل بعض العلوم غير الدينية تخفي بين طيَّاتها طرقًا واسعة للتدبر والمعرفة العميقة بالله. فنحن اليوم في أعظم الحاجة لكي نوازن حياتنا فوق حبلي الدين والحياة. كلنا واجبٌ عليه أن يعرف أمور الدين، ولو بالقدر المعقول، وكلنا أيضًا يحتاج إلى علمٍ أو صنعةٍ أو حرفة. 

مطلوبٌ منا اليوم أن نوازنَ مخاطبةَ الناس بين الحث على طلبِ علوم الدين وعلوم الدنيا، وننصح بتأهيل أنفسنا وأبنائنا وتسليحهم بالعلوم الدنيوية التي تؤمن لهم موقعًا مستقرًّا ومتقدمًا في حياتهم، وموقعًا بارزًا بين الأمم. فالتسارع العلمي مهولٌ اليوم وقاطرته تسير بسرعة رهيبة لا تنتظر أحدًا ممن يتخلفون عنها. والعلم اليوم يتسع لكل ما يتحقق به رقيّ الأفرادِ والأمم والتقيد بأوامرِ الله ونواهيه، فلا يجب أن يكون أيَّ تعارضٍ بين أنواعه. وكم نحن محتاجون في هذا العصر لجميع العلوم، الروحية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية بكلِّ أصنافها؟!

ثم الصنعة التي في اليد، وما أدراكَ ما الصنعة! هي أقصر الطرق نحو الأمان من الفقر ومن أجمل أنواع العبادات. اليوم الصنعات لا تعد ولا تحصى، بعضها في باطنِ الأرض وبعضها على ظاهرها في البرِّ والبحر، لا تقل في نفعها عن دروس الكتاب والمدرسة. ينال بها الكاسبُ شرفَ العيش من كدِّ يده، ويحمي نفسه ذلَّ مسألةِ الناس. لا يستطيع أي مجتمع أن يؤسسَ حضارة ويبني مجدًا دون وجود الحرفي الماهر والمبدع!

مستشار أعلى هندسة بترول