آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

وداعا أسطورة كرة القدم «12»

عبد العظيم شلي

خرجت من نادي برشلونة وملعبه الشهير ”كامب نو“ بعد جولة استغرقت أكثر من 3 ساعات، راجعا للفندق سيرا على الأقدام مشوار استغرق ساعة و37 دقيقة بين سعي في المشي وتوقف عند بعض المحالّ وانتظار لفتح الإشارات، أخذت استراحة قصيرة في غرفتنا متواصلا عبر الواتس مع عائلتي الذاهبة مع قروب الرحلة الى ”الأوت لت“، اطمئنان ورشفات كوب شاي دافئ.

عاودت التجوال وسط أجواء باردة، تقودني قدماي لمركز المدينة، والمسافة منها إلى ”الكامب نو“ تقدر ب 4 كم.

أمشي وعيوني مفتوحة باتساع، أتأمل الحجر وأتفرس في وجوه البشر وأعاين حركة السير والنظام، اقرأ لوحات أسماء الشوارع والمحالّ التجارية، وأصوب كاميرا جوالي لالتقط بين حين وآخر ما يثير حفيظتي ويسترعي الانتباه، لحظات سعد والرؤية مسرة، زمن يمضي دون تعب، المسافات الطويلة تصغر في عيني، أذرعها بمتعة الاكتشاف وحب الاستطلاع، والنفس تتوق للأمكنة التي تثير الدهشة، مثل هذه المدينة الفاتنة الساحرة التي فتنت الفتى الذهبي ردحا من الزمن، ردح في مضمار ناديها آلاف الكيلومترات، وجاب شوارعها واختلط بناسها ووقع للمعجبين والمعجبات.

نادي برشلونة هو من أغواه بالمال وأخرجه من دياره في بوينس آيرس، بعمر 22 ربيعا، حط رحله في مدينة شاسعة ذات هواء معتدل وشواطئ دافئة، أخذته على حين غرة بترفها الباذخ وسهر البارات.

وهو العابر بين الغريمين ذكرى منسوجة بنشوة نصر وغضب وصراخ، وبين ملاعب أكبر مدينتين إسبانيتين حمل العزم بقدمه اليسرى، منطلقا كالسهم نحو المرمى.

تتوالى صور الأمس باقتفاء أثر ذكرى الفتى يقودني السير نحو عوالم المدينة الشاهدة ذات زمن على وجوده.

أقارن بين مدينتين متنافستين وأقلب صفحات أرشيف الماضي الضاج بالمفارقات والغرائب، تنافس محموم في كل شيء تاريخيا وإداريا ورياضيا وجماهيريا، وبعد معاينتي لهما عن قرب، استنتجت من خلال تجوالي في ربوعهما بأن مدينة برشلونة جاذبة أكثر من العاصمة مدريد حيث تألق الطبيعة بتناثر التلال الخضراء وسلسلة جبال ”سيرا دي كولسيرولا“ وتلألأ نهري يوبريجات وبيزيوس اللذان يصبان في بحرها اللازوردي، وتفرد طرزها المعمارية وتنوع معالمها السياحية، وجمالية حيها القوطي الذي يعود بناؤه إلى 1000 عام، وملاجئ الحروب تحت الأرض ورونق الحدائق، ومبنى جمارك ميناؤها القديم الممتلئ بذاكرة المسافرين والتجار والمتبضعين، وذاك الفنار الساكن على التلة بضوئه المنير يزين سهرات العشاق والمحبين، وساحل ممتد طولا وعرضا تصطف عليه ملاهي ليلية ومقاهي شعبية مشعة بأنوارها على صفحات الماء، موج يزف القادمين إلى عنفوان المدينة.

برشلونة عروسة البحر زادها جمالا على جمال، مدينة مفتوحة على كل شيء تخلب الحواس.

مررت في أغلب شوارع مدينة برشلونة الرئيسية بالسيارة وجزء ضئيلا مشيا على الأقدام تعرفت على أهم معالمها، وكم بهرتني معمارية ”انطونيو قودي“ وكنيسته غريبة الشكل ”كنيسة ساغرادا فاميليا“ وكذا تصميمه لحديقة «جويل» الفريدة من نوعها، وأيضا تصميماته العجائبية لمباني ”كازاميلا“ التي بنيت ما بين عامي 1906 - 1912 وهي مصنفة ضمن مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو، تتوسطان شارع فسيح يشبه جادة الشانزلزيه في باريس يدعى ”باسيج دي غراسيا“ شارع أنيق تتوزع فيه كل الماركات العالمية. أتأمل المباني المصفوفة بين جنباته، والتي ظننت بأن بناء بعضها حديث نسبيا وحين اقتربت من واجهة بعضها وجدت لوحة تشير لتأسيس البناء قبل 120 سنة وبعضها أكثر.

تنقلت في شوارع برشلونة المشهورة واستمتعت كثيرا بأفضلها ”شارع لا رامبلا“ المزدحم بحركة البشر من كل جنس ولون، نابض بالمحلات والباعة والأكشاك والعروض الفنية، ممتد من الميناء عند دوار كريستوفر كولومبوس إلى وسط ساحة كتالونيا بطول 1,2 كيلو متر، شارع البهجة والمسرة المليء بأجواء السعادة والمرح.

جبت الشوارع الضيقة وتفرعاتها وحتى المنزوية، مدينة ممتعة للتسوق جاذبة بمتاحفها والغاليريهات.

دلفت نحو المكتبات ورمقت عن بعد أهم الشوارع الخلفية والحانات.

أخذني الفضول للاطلاع على الحي الراقي الذي سكنه مارادونا لكن ضيق الوقت جعلني اصرف النظر.

أنظار العوائل تتفحص مهرجان خاص بالطفولة مقام وسط ساحة كتالونيا، وثقت كل الأجنحة، وكم بهرتني الأفكار وألعاب الابتكارات التي تشعل عقلية الأطفال نحو البحث والاستنتاج، تعلم عن طريق اللعب وتوسيع لخيال الطفل، وثمة أطفال يلبسون بدلة البرشا يغنون بمرح، وكبار رقصوا هنا استقبالا واستمتاعا بلعب الفتى، في هذه الساحة النابضة بالحياة، استذكرت، صور شاهدتها في التلفزيون قبل 38 عاما لجماهير البرشا وهي تحتشد ترحيبا باسم مارادونا.

هنا يموج طوفان من البشر باحتفالات فوز برشلونة.