آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الهدى اسم وحكاية

عبد العظيم شلي

تناقلت الألسن حروف اسم مكون من خمسة أحرف، الألف واللام والهاء والدال والألف المقصورة، اسم رحب به كل أعضاء ومشجعي النادي، فلم يكن تبنيه قرارا فرديا كم يظن البعض، بل حظي الاسم بالقبول والرضا عند الجميع، اسم طبع في وجدان كل من ينتسب للنادي الجديد.

خمسة أحرف ارتبطت بكيان بلغ عامه الآن خمسون عاما، اسم تربت عليه أجيال وأجيال، جاء الهدى وتأسس نتيجة لحظة زمنية فارقة، كادت نوادي تاروت بكل إرثها وتاريخها أن تصبح في خبر كان.

نلوذ بالذكرى والذكرى عزيزة على كل محب وعاشق للوردي، نسوح في فضاء سوق تاروت لنقص الحكاية.

تنتصب عمارتي العماني الشرقية وهي مقر لنادي النسر والغربية لنادي النصر، وبينهما زقاق، يطلان على حمام تاروت، تقابلهما جنوبا عمارة الجنوبي لنادي المنار، والفاصل بينهم الشارع العام.

تصطف في الدور الأرضي مجموعة دكاكين وفي الأعلى مثلث الأندية بشرفات المباني المفتوحة على حركة الشارع.

كل ناد له جماهيره وأعضاؤه، وكل له حفلاته الدرامية والغنائية، في ليلة العيد يحلو السهر بسباق التمثيل والطرب على مسرح مكشوف لكل منهم، تتداخل مكبرات الصوت على وقع الأنغام والضحك، تصدر من نادي النسر أغنية ”ياغزال ياغزال.. فينو اللي سافر ياغزال فينو..“ أداء المجموعة، ومن النصر ”مثل صبية في الغواني ما تشوف، ناشرات الفل والنقش اليماني في الكفوف..“ من أداء حبيب حمود، ومن المنار ”لاخبر لاچفية لا حامض حلو لاشربت، لاخبر قالوا صوانيكم شموع انترست...“ من أداء أبو عيسى، مضى ليل كل فخور بحفلة ناديه وبأيامه الحلوة، لافتات قماشية بيضاء تزينها خطوط متنوعة متدلية من ”محجر“ كل ناد يزف التهاني والتبريكات بعيد الفطر المبارك، لكن بأي حال عدت يا عيد؟

فجأة حلت مساءات حزينة وانطفأت شموع الفرح وذبلت الرياحين، في ليلة سوداء سقط المنار! الأيدلوجيا إصابته في مقتل، وقبلا عدم المسؤولية تجاه المسابقات الرياضية المعتمدة، نتيجة تخلف بعض اللاعبين وهم من خارج الديار، وأمور أخرى ذات الغلة والطين بلة، إدارة لم تحسن التعامل مع المستجد والمتغير، إيه يا زمن قادة النادي سحبتهم ريح صرصر عاتية!

ما أقسى أن تعيش الحزن وسط أيام الأعياد، وما أقسى أن ترى ناديا مسجلا رسميا ينهار أمام الأعين، وهو النادي الوحيد في المملكة يغادر حلبة الميدان، انتهى به الحال إلى اللاشيء، كشهب أضاء سماء تاروت وانطفأ للأبد.

المدهش بأن ثلاثة الأندية هجرت مقراتها وكل أزال لوحة ناديه، خشية من المجهول، الأجواء الرياضية كانت مشحونة، التوتر سيد الموقف، والخوف يسكن القلوب، حتى المقاهي قل روادها.

حاول الرسام عباس علي حسين إضاءة الفرح وسط العتمة، بتعليق لوحة بخط يده مرة باسم نادي تاروت ومرة أخرى باسم نادي الساحل، لكن السوق باتت شبه مقفرة والركب غادروا مراكبهم ولم يروا لا ساحل ولا ميناء.

دمع العين انسكب مدرارا، وآمال جيل تاهت في بحر الحسرات.

أيتام المنار يبحثون عن حل، يتشبثون ببارقة أمل، ولكن لا أمل جاء ولا حل نزل كيف تنقذ كيان أصبح جثة هامدة.

منار اتخذ من الأسود والأصفر شعار له، الأسود هو الطاغي على قمصان اللاعبين وفي الوسط خط أصفر بمقاس 10 سم، شعار أسود نسج الحزن باكرا، هل كان الشعار نذير شؤم عليك يا منار؟ وحتى اسمك جاء عكس الدلالة، منار قبر في الظلام عام 1970 ولم يشيعه أحد، خلعت اللوحة وتشتت الشمل، ألقى اللاعبون قمصانهم السوداء إلى غير رجعة! فصول ذكراك يا منار لم تكتب بعد مجرد ومضات.

بعد تسعة أشهر تقريبا رجع النسر إلى عشه.. عاد إلى مقره الشرقي المكون من ثلاث غرف وسطح مفتوح، وبعد أسابيع عاد النصر إلى مقر جديد دور أرضي بغرفتين وصالة صغيرة، يبعد عن غريمه النسر مسافة 50 متر تقريبا.

كلا الناديين سعى لتزيين مقره بلوحات فنية بريشة الفنان عباس علي حسين ابن المنار، استجاب لهما عن طيب خاطر وعينه على اتحاد بعضهما.

لوحة مقر النسر شكلها رسما وكتابة الرسام نور الدين الشيوخ وهي عبارة عن نسر محلق في الفضاء وفي رجليه كرة قدم، ومكتوب عليها نادي النسر بتاروت، رياضي ثقافي اجتماعي.

أما لوحة النصر نفذها متعدد المواهب حبيب حسن آل حمود، حيث قدم لوحة مغايرة عبارة عن صندوق مستطيل مكتوب عليه نادي النصر بتاروت وفي الأسفل ثلاث كلمات رياضي، ثقافي اجتماعي، كل واحدة داخل دائرة، والكتابة مفرغة بمنشار الآركت، وملصوق خلفها ورق الكورنيش الملون، يخترقها الضوء الكهربائي، جمالها يبرز ليلا.

وهي أول لوحة ضوئية في سوق تاروت.

مر عامان على عودة الناديين لحياتهم الطبيعية، وسط تنافس محموم بينهما، وسعيا لإظهار مكانتهم بمزيد من الأنشطة وسعيا لترجمة الشعار المكتوب على عنوان اللوحة الخارجية، ”رياضي، ثقافي، اجتماعي“.

لكن حظوظ الناديين لم تكن مواتية للتسجيل رسميا لدى رعاية الشباب، فكان المخرج هو الاتحاد، وربما سيفتح لهما الأمل لاحقا.

هناك مفارقة عجيبة سمعها كاتب السطور من أهم أكبر منه سنا، من قبل الأستاذين أبو جلال ابريه وميرزا الحسن وهما من لاعبي سنابس، من منطلق ”مصائب قوم عند قوم فوائد“، وجود نادي المنار في تاروت كان حجر عثرة في تسجيل نادي الهلال بسنابس، لأن الرئاسة لرعاية الشباب لم تقبل بتسجيلهم رسميا وخيرتهم إما أن ينضموا إلى نادي الجزيرة بدارين أو لنادي المنار في تاروت، فلم يقبلوا بالأمر مطلقا وكرروا المحاولة ولم ييأسوا، لكن بمجرد أن انهار المنار سنة 70 أتى الفرج لسنابس، سجل الهلال والذي أصبح نادي النور سنة 71 والاسم مأخوذ من فريق النور بالربيعية مقابل 5000 ريال مع اللوحة المعلقة على النادي المواجه للشارع العام. والشيء بالشيء يذكر خبر بزوغ النور بسنابس رسميا، حرك مشاعر نادي النسر والنصر نحو التقارب بين بعضهما!

رجال تاروت تكاتفوا لجعل الفكرة واقعا ملموسا وكان لدور عباس علي حسين في إقناع الجانبين أثرا بالغا وأيضا في تهيئة الأجواء وتصفية النفوس.

تقدم رئيس نادي النسر عبد الحسين زمزم صاحب الرأي المسموع مع عبد الله محمد حسين، وبمعية علي الوحيد، وعلي المضحي، وعلي القديحي، بالترحيب بإدارة النصر في مقرهم، يتقدمهم حبيب حمود الذي هو الآخر على قناعة تامة بجدوى اتحاد الناديين حاملا روح المبادرة الإيجابية مع حسين إسماعيل أبو أشرف، ومدفوعين بمباركة رئيس النادي أبو عظيم الدرازي، وأخيه عبد الله الدرازي وعبد الله مطر أبو جلال، تباحث الجانبان مطولا، واجتمعا مرارا، وبحضور فعال في كل مرة وبعدد أكثر من كلا الناديين ومن بينهم، منصور الحسن، وأحمد سليس أبو محمود ومحسن المحسن هؤلاء كانوا يمثلون شباب المنار الذين التحقوا بالنصر، وعبد الله حسن منصور آل عبد المحسن وأخيه محمد، وعبد المحسن الصادق وعبد الرسول الصادق وسيد محمد فتح الله التاروتي، وهؤلاء يمثلون شبيبة المنار انظموا للنسر، وهناك أسماء اخرى لا يسع المجال لتعدادها، تعاضدوا وقدموا الآراء البناءة والمقترحات الخلاقة بتقريب وجهات النظر وتذليل الصعاب، وهم يمثلون الادارتين للناديين وابرز الوجوه الفاعلة لدى كليهما، جعلوا التمني حقيقة ملموسة، ويد الله مع الجماعة"، وبفضل من الله وكرمه الف بين القلوب المشتتة باندماج النسر والنصر عام 1972، وفي يوم اعلان الاتحاد بينهما جرت مباراة حبية بين خصماء الأمس رفقاء اليوم، اعلان نصر لبداية مسيرة فريق واحد يضمهم ناد واحد.

اتحد الغريمان ودار نقاش حول المقر والملعب توصلوا للحلول سريعة، الا الاسم دار حوله جدل كبير، إذا ما هو الاسم الأنسب؟ والمطلوب الإتيان باسم غير مطروح على الساحة، وغير متداول بين كل أندية المملكة، لا اسم اليرموك قبل ولا اسم صفين استحسن برغم أن لوحة علقت بهذا الاسم لفترة وجيزة.

جاء رجل من أقصى أندية تاروت القديمة وهو المرحوم حميد الصديق، لاعب فنان كان في صفوف النجم والوحدة ثم المنار، قدم اسم جديدا لم يتطرق إليه أحد وهو ”الهدى“ بضم الهاء، ارتسمت علامات الرضا ونوقش الاسم في اجتماع موسع ضم كلا الإدارتين واعيان البلدة من الرياضيين القدماء يتقدمهم الحاج عبد علي المسجن ”الخال“ وحميد النابود أبو صلاح، وآخرين، الكل رحب وبارك بإطلاق الاسم الجديد.

وثمة سؤال دار في أذهان الكثير كيف تحول نطق الهاء من الضم إلى الفتح، بعد أن أوضح الأخ عباس علي حسين لكاتب السطور بمن أتى بالاسم، أكد أيضا الأخ حبيب حمود كيف تغيرت لفظة نطق الاسم، حيث قال ”اللوحة التي خطبتها لنادي النصر من قبل، هي نفس الصندوق الخشبي بأنواره، فقط استبدلت الواجهة الأمامية مع تغيير الاسم، بدلا من اسم النصر، كتبت نادي الهدى بتاروت، رياضي ثقافي اجتماعي، ونظرا لصعوبة تفريغ الضمة وهي صغيرة الحجم بالمنشار الآركت، ترك حرف الهاء دون تشكيل، فراح الأعضاء الكرام وكل العابرين في السوق يلفظون الاسم“ الهدى ”بفتح الهاء، ومع الوقت صار الاسم معتادا عند السمع خفيفا على اللسان، وفي الحقيقة الاسم ليس له أي علاقة بجبال الهدى لأمن قريب ولأمن بعيد، وحينها تم قبول الاسم عند أعضاء النادي ولم يعترض عليه أحد مثل ما حصل بالنسبة للأسماء التي سبقته، واسم الهدى كما اعتاد عليه الناس نغمته لطيفة ومحببة، واعتبر الاسم بعد هذا العمر الطويل الذي يقارب 50 عام مثل الماركة المسجلة يمثل تاروت“.

تلك كانت حكاية اسم ونشوء كيان ولد من رحم المعاناة، ولد نادي الهدى ليرسم الفرح والبهجة لما هو آت.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
زكريا ابو سرير
[ تاروت ]: 10 / 2 / 2021م - 5:47 م
أبدعت يا استاذنا العزيز عبدالعظيم، في تقديم هذه المعلومات التاريخية الثمينة، وقد أوضحت في الشبهات، والتاريخ إذا تكلم، الحاضر يسمع وينصت، انا واقعا ، لو لمرة اعرف هذا التفصيل التاريخي، وامنيتي من استاذنا لو يتحفنا بالمزيد حول هذا التاريخ، كذلك أمنية أخرى لو يشرع كاتبنا بتأليف كتاب حول هذا التاريخ الجميل، وبهذا يكون قد قدمة خدمة جليلة لأهالي جزيرة تاروت، واظن كل واحد سوف يحرص على أن يكون هذا الكتاب في رفوف مكتبته الخاصة، كما أنه سوف يكون مرجعا للكتاب، وإثراء للمكتبات العامة،،،
شكر خاص للكاتب المتألق على هذا المجهود الرائع والمبارك.
2
أبو حسين
[ القطيف - تاروت ]: 10 / 2 / 2021م - 8:29 م
شكراً أبا محمد على هذا التوثيق التاريخي الرائع، حقيقة معلومات قيمة جداً وحبذا أن الكل يطلع عليها.. ما شاء الله أنت موسوعة تاريخية، لقد أرجعتنا الى التاريخ الجميل الذي عاشته تاروت، ونحن نقول: الا ليت الزمان يعود يوماً لتعرف الأجيال الحالية والقادمة ما ذا كانت تاروت في ذلك العهد، كم كانت فرحة تاروت حيث الإحتفالات بقدوم الأعياد، والمناسبات، وإن شاء الله الحلقة القادمة الكتابة في ذكرى الإندماج التاريخي وما بعده.