آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

شرطي الضمير - مشاهد من الحياة 2

المهندس هلال حسن الوحيد *

رغبتُ ظهرَ يوم أمس أن أمشي خطواتٍ على شاطئ البحر. كان الهواءُ أشدَّ مما يرتاح له الماشي، وما يتركه الناسُ من زبالتهم يزعج أكثر من الهواء. زبالةٌ يعدّها من تركها ذوقًا جميلًا؛ أكواب قهوة وعلب مشروبات مختلفة وقوارير ماء وعلب مأكولات!

ظننتُ أنَّ هذا كان ليحدث - فقط - قبل خمسين سنة، في الجيل الأقل حساسيَّة نحو المدنيَّة والتطور، وليس في جيلٍ يعيش في عصرِ الحضارة والتمدن في سنة 2021م، من الشبَّان والشَّابات ومختلف الأعمار، مع أن أوعية نفايات توزعت في أماكنَ كثيرة بالقرب من الجُلَّاس والمشاة!

حقًّا، مَن منّا مَن ليس لديه رغبة أن يتنزه أو يمشي في مكانٍ عام دونَ أن يُراقب أو ينقد أفعالَ الناس بعدسةٍ مكبرة؟ إذ أنّ تتبع أخطاء الناسِ مثلبةٌ ومنقصةٌ كبيرة، ولهذا يبقى جُلّ ما في أيدينا الرجاء والتنبيه.

في الضفَّةِ الأخرى كان متطوعون يرصونَ صفوفهم لتنظيف الشاطئ ورفع النفايات. فما الذي يدفع هؤلاء لرمي الأوساخ؟ وما الذي يدفع هؤلاء لجمعها وإزالتها؟ أظن أنه الوعي الديني والوطني وغياب أو حضور شرطيّ الضمير الشخصي. فبما أنه يقرب من الاستحالة أن يكون هناك قانونٌ بشري يغطي جميعَ المخالفات بين أفراد المجتمع وتصحيحها، فالضمير هو الشرطيّ الذي يمنعنا ويردعنا من توسيخ مكانٍ عام وغيرها من الخطيئات!

لا يشك أحدٌ أن من يرتاد الشواطئ هم من المصلين إلا أن شرطي الضمير غير فاعل فيمن لا يهتم بشؤونِ غيره الذين يشاركونه جمالَ المنظر ورائحةَ الهواء. أما الآخر فيحمل ضميرًا حيًّا فلا يسمح لنفسه بإفساد ماهو عام. ويعتبر أن جوهرَ الأخلاق في الدِّين لا يقل أهميةً عن جوهره في العبادات.

يبقى السؤال: متى نخرج من هذه الحلقة البائسة من التخلف ونصف التطبيق للدِّين والمدنية؟! فلا نحصر الدين فقط في الصومِ والصلاة والحج، بل نضم معها الخلقَ الحسن والتعامل السليم. وفي غياب الدين وحضوره، لابد لنا من أن نرتقي الدرجاتِ الأولى المؤسِسة للمدنية، وهي المظهر العام الذي هو شأننا كلنا!

لو جمعنا بين عدم التخريب والتطوع، لصدق فينا أننا نستغفر مع أننا لا نذنب. وبالتالي يمكننا الاستفادة من ساعاتِ التطوع الثمينة في خدمةٍ أخرى غير جمع زبالة شخص كان قادرًا عارفًا بما يفعل، لكنه غير مبالٍ ويترك زبالته لغيرهِ لينظفها!

مستشار أعلى هندسة بترول