آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

”الزور“ الماضي والحاضر

أحمد منصور الخرمدي *

حين نسلّط الضوء على جوانب مهمة من تاريخنا العريق فإننا نغوص في الماضي البعيد لنبش ما تركه أسلافنا من إرث حضاري نتباهى به أمام الحضارات الأخرى.

وحينذاك نعيد لأذهاننا الأسماء والأشياء الجميلة التي عايشها الآباء والأجداد وتعزّز المكانة القوية لأجيالنا ونستنتج بما علمنا وزودنا به التاريخ القديم والمعاصر من شواهد باقية وما تزال بين طيّات جدرانها القصص والعبر التاريخية القديمة وبين مبانيها ومعالمها الأثرية، التي تأخذك للوهلة الأولى عند رؤيتها أنها ذات تاريخ عريق رغم المساحة الجغرافية الصغيرة والمميزة.

إنّ قرية ”الزور“ هي مقصد حديثنا عبر تاريخها العريق، هذه القرية الساحلية تقع في الركن الشمالي من جزيرة تاروت بمحافظة القطيف، وكما يحدثنا التاريخ القديم كانت ”الزور“ ميناءً مهمًّا يوجد على أرضها تلال تمثل مستوطنات هيلينية محترقة تعود إلى القرن الأول من قبل الميلاد.

وتلك الآثار ما هي إلّا شواهد سطحية ولكن إذا سبر غور الموقع الأثري فإنه بلا شك سيفصح عن تاريخ أعرق من ذلك كما يشير المؤرخ الدكتور علي الدرورة عضو الجمعية التاريخية السعودية منذ عام 1999م الذي أصدر العديد من كتب التاريخ المتعلق بالحياة الحضارية عن المنطقة.

وحول تسمية قرية الزور يشير المؤرخ الدرورة في كتابه: «من تاريخ جزيرة تاروت»، وأيضاً في: «ديوان فهد بن سالم»، بأنّ قرية الزور ذات تاريخ عريق وموغل في القدم.

إنّ الزور هذه القرية الصغيرة الوادعة على ساحل البحر تعيش في هدوء تام ورغم صغرها إلّا أنها تحاكي التاريخ، ورغم صغرها أيضاً إلّا أنها تسمع موج البحر وصوت النوارس، فهي لا تنفك من تاريخ المنطقة ذي العراقة الذي يمدّ جذوره في عمق التاريخ.

إنّ المؤرخ الدرورة الذي عايش كبار السن ممن تبقّى من جيل الغوص في قرية الزور واستفاد من أفكارهم ودون تاريخ المنطقة بشكل عام، ولا سيّما كتابه قلعة تاروت 1000 سنة من الصمود والبطولات، وعضويته في مجاميع علمية أخرى قد حفظ لنا تاريخ المنطقة.

وما يزال يذكر لنا بأنّ الزور قرية وميناء استخدم للغوص فترة زمنية طويلة وهي تعود للقرن السابع الهجري وكانت تسمّى: «ثنية»، وتلفظ باللهجة الدارجة: «فنية» وبدءاً من عام 1890م تغيّر اسمها إلى: «الزور»، وقد سمّاها ج. ج. لوريمر في دليل الخليج القسم الجغرافي ب: «ثنية» وذلك عام 1902م حينما وضع كتابه آنف الذكر.

والزور والأزوار جمع كلمة الزوري، وهو نوع من الأسماك الصغيرة. وأشار المؤرخ الدرورة إلى أنّ بندر الزور كان محطة رئيسة في عصر الغوص حيث برز العديد من ربابنة البحر.

وبعد أفول حضارة الغوص تحول مرفأ الزور إلى مقرٍّ لصيد الأسماك؛ لما يمتاز به المرفأ من موقع ملاحي مهم وهو الأقرب إلى المواقع الملاحية المهمة في الخليج ومنها المواقع البحرية شرق وشمال رأس تنورة، ومنها: «راس تنورة» و«الوشير» و«أبو سعفة» وغيرها من المباحر والمواقع المهمة التي كانت مغاصات للبحث عن اللؤلؤ ذات يوم.

الجدير بالذكر أنه ومنذ فترة طويلة هناك مناشدات وطنية معروفة من محافظتنا الغالية وعلى وجه الخصوص من أهالي جزيرة تاروت، عدد من المؤرخين والباحثين ومن المهتمين بالتراث والفنون، أن تنال بلدة الزور بجزيرة تاروت الغنية بمناظرها الجميلة، عناية تستحقها لما لها من مكانة تاريخية وجغرافية منذ آلاف السنين، أسوة بما هو قائم وبما يبذل بسخاء من إعادة تأهيل للمواقع الأثرية والتاريخية بهذه البلاد الطيبة، وهي مساحات ساحرة ذات طبيعة فطرية وبيئية بِكْرٍ وحبّذا لو يتم تحويلها إلى منتزهات وشواطئ طبيعية لتكون جاذبة للسياحة والترفيه، ورافداً اقتصادياً للحاضر والمستقبل يفخر به الجيل المعاصر والأجيال القادمة.