آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

لعنة كورونا

محمد أحمد التاروتي *

بدأت لعنة كورونا تتطال بشررها مسؤولين في بعض الحكومات العالمية، فاستقالة وزيرة الخارجية البروفية ”إليزابيث أستيت“ تمثل احدى مصاديق تلك اللعنة، خصوصا وان فضيحة تطعيم بعض المسؤولين الحكوميين بلقاح مضاد لـ ”كوفيد 19“ قبل وقت طويل من اتاحته للعامة، لعبت دورا اساسيا في اضطرار تلك الوزيرة على ترك المنصب، انطلاقا من المسؤولية الاخلاقية والوطنية التي تفرض عليها الاقدام على هكذا خطوة، بهدف امتصاص النقمة الشعبية من جانب ومحاولة الخروج من المأزق السياسي بموقف مشرف من جانب اخر.

لعبت كورونا دورا فاعلا في اخراج ترامب من البيت الابيض، فالاستهتار وعدم الاكتراث بالضحايا، والتركيز على الاقتصاد بالدرجة الاولى، ساهم في احداث نقمة شعبية كبرى لدى الناخب الامريكي، بحيث انعكست على عملية التصويت في الانتخابات الاخيرة، وبالتالي فان ”لعنة كورونا“ شكلت احد العوامل في خسارة ترامب في الانتخابات، وحرمانه من الفوز بالرئاسة للمرة الثانية، بمعنى اخر، الفيروس القاتل يشكل عبئا ثقيلا على الساسة في المرحلة الراهنة، مما يستدعي احتساب الربح والخسارة بشكل دقيق، لتفادي الوقوع في فخ ”اللعنة“ التي طالت البعض، وما يزال مصير البعض مرهونا بمدى التفاعل الإيجابي، مع الوباء على الصعيد الاجتماعي، فالاصابات المتزايد تولد نقمة كبرى لدى القواعد الشعبية، بحيث تتجلى في المواقف المختلفة التي تبرز بين فترة واخرى.

لعنة كورونا لا تقتصر على فقدان بعض المسؤولين المناصب، فقد ساهمت في الجائحة في تعرية الكثير من القطاعات، جراء عدم قدرتها على التعامل باحترافية مع التداعيات المرتبطة بالازمة، الامر الذي دفعها لرفع الراية البيضاء، ومحاولة الخروج من المأزق باقل الخسائر، فالعديد من الدول وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه طوال الاشهر الماضية، جراء تزايد اعداد الاصابات، وبالتالي فان المنظومة الصحية لبعض الدول المتقدمة، اصيب بحالة من الشلل التام، نتيجة فقدان السيطرة على الموقف الصعب.

امتحان كورونا المستمر منذ اواخر 2019، يشكل تحديا حقيقيا في مختلف الاصعدة، فالعملية ليست مقتصرة على الجوانب الصحية، ولكنها تتجاوزها لتشمل العناصر الاقتصادية والاجتماعية، مما يستوجب من الجميع التحرك الواعي، للهروب من ”اللعنة“، التي تصيب الجهات المتهاونة، فالخسائر المترتبة على الجائحة مستمرة، جراء تصاعد اعداد الإصابات، واكتشاف المزيد من السلالات الجديدة، مما يضع الجميع في حالة ترقب وخوف من المرحلة القادمة، وبالتالي فان ”اللعنة“ مرشحة للتوسع لتتجاوز النطاقات المحدودة حاليا، خصوصا وان فاتورة الجائحة كبيرة للغاية، مما يستوجب التضحية ببعض الرؤوس، في سبيل تجاوز المأزق الراهن، الذي تعيش البشرية تفاصيله بدقة، في مختلف الجوانب الحياتية.

تداعيات جائحة كورونا ستبقى محفورة في الذاكرة البشرية، فالكثير يتحدث عن سنوات عجاف مقبلة، مما يستدعي التعامل الحذر مع التفاعلات المستقبلية، خصوصا وان الكثير من التحركات يغلب عليها ردود الافعال، مما يتطلب السعي الجاد لمواجهة ”لعنة كورونا“ بقدر كبير من المسؤولية، لاسيما وان الجائحة احدثت صدمة كبرى في مختلف الاصعدة، بحيث لم تقتصر على الجانب الاجتماعي، وسيطرة ”فوبيا الخوف“ في النفوس، وانما شملت كذلك الجوانب الثقافية والاقتصادية والسياسية، فضلا عن كشف عورة المنظومة الصحية لدى الكثير من الدول العالمية، فالموجة الاولى ساهمت في تسليط الضوء على نقاط الضعف، لدى الكثير من الدول العالمية، سواء المتقدمة او النامية او المتخلفة، وبالتالي فان ”لعنة كورونا“ قادرة على التغلغل، في الضمير البشري لسنوات قادمة.

ابطال ”لعنة كورونا“ مرتبط بالممارسات، والانجازات على الارض، فاذا اتسمت العقلانية والتوازن، فانها ستكون اكثر فاعلية، واكثر قدرة على تجاوز ”المحن“، المرتبطة بتداعيات كورونا، فيما ستكون الامور اكثر صعوبة، بمجرد سيطرة الفوضوية والعشوائية، في الممارسات اليومية، وبالتالي فان ”لعنة كورونا“ انعكاس لمجموعة الاخطاء على الارض، فالعملية ذات علاقة مباشرة بالمسببات الطبيعية، وليست ناجمة عن استحضار الجن، او غيرها من عمليات الدجل، التي تمارسها اطراف، تجاه بعض الفئات الساذجة.

كاتب صحفي