آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الجوائز الأدبية وشعراء المرحلة

محمد الحرز * صحيفة اليوم

الشعراء الذين يلهثون وراء الجوائز، لا ليلهم ليل، ولا نهارهم نهار، يتنادون جماعات وزرافات، يعملون بجد لا هوادة فيها، ويكدون بلا ملل، ويبذلون ما وسعهم البذل في تثبيت أسمائهم في كيان هذه الجائزة أو تلك، وكأنهم فرغوا من الشعر، فأعطوه حقه، ولم يبق سوى أن يرد الشعر جميله لهم بالهدايا الثمينة، والاعتراف لهم بالشاعرية أمام رؤوس الأشهاد. تتعدد غاياتهم وأهدافهم وتتنوع: البعض منهم يبحث عن الاعتراف الرسمي به كشاعر، البعض الآخر منهم يبحث عن المال والشهرة، الثالث وهم الأكثرية من الشعراء الشباب، الذين وقعوا بين مصيدتين: بين المؤسسات التي تبنت الجوائز، وفرضتها على الساحة الأدبية، بالخصوص الخليجية منها، مما شكل إغراء وتشجيعا على خوض التجربة، وبين شعراء حققوا نجاحا وشهرة من خلال هذه التجربة، يعتبرهم هؤلاء الشباب رموزا شعرية ينبغي الاقتداء بها وتقليدها، وبين هاته وتلك لا يسعى الشاعر الشاب إلى اكتشاف مكامن شاعريته، وبالتالي توسيع آفاقها عنده، بقدر ما يسعى إلى وضع تجربته وموهبته موضع الاستثمار في أمور لا تمت إلى تطوير تجربته بصلة. لكنها تفيده في تطوير علاقته ومكانته الاجتماعية والثقافية الجماهيرية. وفي هذه الحالة يصبح الشعر وسيلة لا غاية أو هدفا يخلص له في الحياة. وعليه تكون الكتابة الشعرية عند هؤلاء مشدودة إلى هذا الأفق دون وعي مسبق بها، إذ فكرة الجائزة في حد ذاتها لا تعني سواء التواطؤ، من جميع الأطراف المشتركين في لعبة الجوائز للقول: أترون هذا هو الشعر، الذي نسعى للحصول على جائزته. لكن ضريبة ذلك تفضي في غالب الأحيان إلى أفق يحد من سعة أفق الشعر ويلغي تعدده، وعمقه في حياة الإنسان.

وأنا هنا لا أشير إلى ظاهرة قبول أشكال معينة من الشعر «القصيدة العمودية» ورفض الآخر منها «قصيدة النثر» في سياق الجوائز. لا أقصد ذلك على الإطلاق، وإن كان هذا الجزء يدخل ضمن المغالطات في تصوراتها عن الشعر عند هؤلاء القائمين على تلك الجوائز.

لكن ما أعنيه تماما هو الأثر السلبي الكبير، الذي تتركه هذه الفكرة وتضخمها في حياة الشاعر، بحيث تضع مصدات وعوائق على مخيلته، لا تسمح له بالانطلاق والمغامرة أكثر مما يكون هو راضٍ عن نفسه بما وصل إليه من عطاء، بالخصوص إذا كان شابا ومخيلته تعمل بجد واجتهاد.

قد ينبري لي أحدهم ويعترض بالقول: هناك من الشعراء مَنْ استطاع أن يبدع ويتألق ويتقدم في تجربته دون أن تشكل الجوائز ثقلا معيقا على إبداعه كما تقول؟!

للوهلة الأولى ظاهريا قد يبدو الأمر صحيحا. لكن أليس من المشروع أن نضع مفهوم الإبداع ومفهوم التألق فيما يتعلق بالشعر، موضع المساءلة كلما قاربنا هذه التجربة أو تلك من بين التجارب التي حققت نجاحا باهرا، وذلك قبل أن نقرر مدى نجاح هذه أو تلك؟! وفي مثل هذه الحالات ينبغي التمييز بين مختلف المعايير والمقاييس، التي تضع هذا الشاعر في المقدمة، وذاك في المؤخرة تألقا وإبداعا وشهرة، فهناك معايير وجدانية وأخرى ظرفية، وثالثة تاريخية ثقافية، وهكذا تتعدد ولا يسعنا المجال للتفصيل فيها.

ونهاية وحتى لا يساء فهمي من طرف هذه الجهة أو تلك، أولا - لست هنا ضد الجوائز ومؤسساتها بالمطلق، هي ضرورة للمبدع ومحفزة له للاستمرار والعطاء، وهي ضرورة لإنعاش الحالة الثقافية الإبداعية السائدة على المدى البعيد.

ثانيا - هناك مؤسسات لها تاريخ عريق في الاهتمام بالشأن الثقافي والإبداعي، ليس على المستوى العربي، وإنما العالمي كجائزة الملك الفيصل أو جائزة سلطان العويس، وغيرهما الكثير من المؤسسات، التي ترسخت على يديها تقليد استفاد منه المثقفون والمبدعون في مختلف مجالاتهم وتخصصاتهم على اعتبار أن تجاربهم المتميزة والثرية في العطاء هي التي فرضت نفسها على الجوائز، وفرضت نفسها احتراما وتقديرا ومحبة على الجميع.