آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الكتابة بين فلمين

يوسف أحمد الحسن *

أن تنتظر الكتابة على طبق من ذهب أو أن تسعى إليها رغم كل العقبات هي نفسها المسافة بين فلم بلا حدود «Limitless» وفلم قناع الغوص والفراشة «The diving bell and the butterfly». فالأول يتحدث عن شخص يحلم بالكتابة وقام بالتوقيع على عقد مع إحدى دور النشر لتأليف كتاب، لكنه وبعد مرور عدة أشهر لم يستطع أن يكتب سطرا واحدا فيه رغم كل المحاولات. وفي أحد الأيام وبينما كان جالسا في أحد المقاهي إذ قابل شقيق طليقته الذي عندما علم بمحاولته الكتابة، أعطاه قرص دواء قال إن له خاصية تنشيطية خارقة في جميع المجالات. وعندما سأله عن مصدره أجابه بإنه دواء غير مصرح ولم يعطه حتى اسم الشركة المصنعة له.

وهكذا فقد ابتلعه لأنه لم يكن لديه ما يخسره خاصة أنه كان على وشك أن يتم طرده من شقته المستأجرة. وبعد 30 ثانية فقط بدأ مفعول تلك الحبة بالظهور حيث تفتقت لديه مواهب عديدة واستعاد مواهب قديمة واستطاع حتى تعلم لغات لم يكن يعرفها. لكن الأهم أن زوجة مالك الشقة التي أرادت طرده منها تفاجأت بمواهبه الجديدة ثم ساعدها في كتابة مقال كانت تجهزه فعدلت عن طرده. كما أنه استطاع أن يكتب عشرات الصفحات من كتابه الذي تعاقد عليه، وقام بتسليمه إلى مديرة دار النشر التي تفاجأت أيضا بالإنجاز السريع. لكن المفاجأة الأخرى هي أن مفعول الحبة يستمر ليوم واحد، حيث إنه لم يستطع أن يكتب كلمة واحدة في اليوم التالي. فذهب إلى صديقه ليحصل منه على أخرى فأعطاه شرط أن يقوم بخدمته وهكذا استطاع الحصول على عدد كبير منه استطاع بواسطته إكمال كتابه وإنجاز مهمات أخرى كبيرة ليست من شأننا في هذا المقال.

أما الفلم الثاني فيتحدث عن كاتب وقع عقدا لتأليف كتاب مع دار نشر لكنه أصيب بمرض يسمى متلازمة المنحبس «Locked-In syndrome» الذي يعني شللا كليا في جسمه باستثناء حاستي السمع والبصر. وقد كانت إحدى عيني البطل ملتهبة وقد تم تخييطها وبقي بعين واحدة. وقد كانت وسيلة التواصل الوحيدة بين المريض والعالم هو عينه، حيث يرف بها مرة واحدة للرد بنعم ومرتين للرد بلا. وكانت إحدى الممرضات تقوم بقراءة حروف الألفباء عليه وعندما تصل إلى الحرف المطلوب يرف بعينه مرة واحدة فتقوم بتسجيل ذلك الحرف ثم تنتقل للحرف الثاني وهكذا حتى تتشكل كلمة كاملة فتفهم ما يريد قوله. وبعدما تم تدريبه لعدة أيام طلب من الممرضة الاتصال بدار النشر مبديا رغبته في إتمام صفقة الكتاب طالبا إرسال موظفة من الدار ليملي عليها الكتاب. وهكذا حصل حتى أتم كتابه حرفا حرفا برفات عينه اليسرى وأرسله للدار التي قامت بطباعته.

هاتان قصتان تؤشران على البون الشاسع بين الكتابة بالأمنيات والكتابة بالجهد الذاتي رغم كل العقبات، حيث يثبت النموذج الثاني أن البقاء هو للجهد المبذول في الكتابة وليس للأفكار التي تبقى حبيسة الرؤوس. فربما مر على البشرية مئات الملايين من الذين كانوا يرغبون في الكتابة ولديهم من الأفكار الكثير، لكن من تم تخليده منهم هو أنموذج The diving bell and the butterfly.