آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

السطوة الكذابة

محمد أحمد التاروتي *

يحاول البعض فرض سطوته على الاخر بمختلف الطرق، اذ لا يترك فرص صغيرة او كبيرة دون ابراز مرض ”السلطة“ لديه، فتارة تكون عبر استخدام العنف والقهر لاذلال الاخر، واخرى عن طريق الاستفادة من الصلاحيات الممنوحة، واستغلالها بالطريقة التعسفية، بهدف اظهار القوة غير الحقيقية، لاسيما وانه يحاول تعويض الاحساس بالضعف الداخلي، عبر سلسلة من القرارات والممارسات العنفية، الامر الذي يحدث حالة من النفور الكبير مع الطرف الاخر.

الاسباب وراء اظهار السطوة غير المبررة ليست واحدة، ولكنها تلتقي عند نقطة ”الهيمنة“، ومحاولة اخافة الاخر بشتى الطرق، بيد ان القرارات التعسفية ليست قادرة على اسكات الطرف الاخر، نظرا لامتلاكه - الاخر - العديد من الاوراق القادرة على نسف جميع التحركات المشبوهة، الامر الذي يفسر المقاومة الشديدة التي تظهر باشكال مختلفة، وبالتالي فان التصادم يمثل احد المصاديق البارزة في صراع ”السطوة الكذابة“، خصوصا وان فرض السيطرة على الاخر ليست متاحة للجميع، فالبعض يحاول تجنب المشاكل عبر التسليم والخنوع، ومحاولة السكوت على القرارات التعسفية، فيما البعض الاخر غير قادر على ابتلاع الظلم والاستسلام، مما يدفعه للتحرك للمقاومة ورفع الصوت عاليا.

الصراع الداخلي يمثل احدى الاسباب وراء انتهاج ”السطوة الكذابة“، فالبعض يحاول اظهار القوة بطريقة خاطئة، مما يجعله يخطأ التقدير ويسلك الطرق الخاطئة، انطلاقا من قناعات ذاتية بضرورة اظهار ”العين الحمرة“ في وجه الاخر، بهدف فرض السطوة وعدم السماح بالاعتراض مهما كانت الاسباب، وبالتالي فان القناعات الذاتية تمثل المحرك الأساس، وراء انتهاج سبيل ”العنف“ في التعامل مع الاخر، مما يستدعي اعادة برمجة تلك القناعات بطريقة مغايرة، وباسلوب اكثر منهجية، لاعادة ترتيب الاولويات وقطع الطريق لتأزم الاوضاع، الامر الذي يدخل جميع الاطراف في صراع طويل يصعب التكهن بنهايته.

غرور المنصب يمثل عنصرا اخرا في ظهور ”السطوة الكذابة“، فالبعض يجد نفسه في موقع لا يحلم به على الاطلاق، مما يدفعه لمحاولة التمسك بالكرسي، وعدم التفريط في المكاسب المترتبة على المنصب، من خلال العمل على تحريك جميع الادوات الممكنة، لفرض السيطرة على الاخر والعمل على الامساك بجميع الاوراق، فتارة عبر التذلل غير المبرر لاصحاب المواقع العليا، وتارة بواسطة عقد تحالفات مع الاطراف الاخر، بهدف الاستمرار في المنصب عبر تنفيذ جميع القرارات، سواء الصائبة او الخاطئة، بغض النظر عن كونها ”اخلاقية او غير اخلاقية“، فالعملية مرتبطة بالاحتفاظ بالكرسي، مما يفرض التنازل عن بعض القيم الأخلاقية، الحاكمة في العلاقات الانسانية، وبالتالي فان غرور المنصب يحدث اثرا سلبيا في السيرة العملية لدى البعض، الامر الذي يفسر التعامل بفوقية مع اصدقاء ”الامس“، والعمل على بناء علاقات ”مصلحية“، مع اصحاب النفوذ ومراكز القرار، من اجل الاستمرار في المنصب بشتى الطرق.

التعامل باللحظة الانية وعدم التفكير في المستقبل، يدفع باتجاه مزيد من القرارات ذات العلاقة ب ”السطوة الكذابة“، فهذه الشريحة لا تضع في الاعتبار التحولات المتسارعة، فضلا عن التفكير في المصير بمجرد فقدان ”المنصب“، حيث تتعامل وفقا للواقع الحالي، مما يسهم في حجب الرؤية عنها، وعدم القدرة على التفكير في المرحلة القادمة، وبالتالي فانها ستجد نفسها تتحرك كأنها مستمرة في مواقعها الحالية لفترة طويلة، فيما سنن الحياة تتحدث عن قواعد مختلفة للغاية ”لو دامت لك لما وصلت لغيرك“، بمعنى اخر، فان الذهاب وراء الرغبات الذاتية والممارسات غير الأخلاقية، والعمل على انتهاج سياسة ”السطوة الكذابة“، يترك تداعيات سلبية على صعيد العلاقات الشخصية، الامر الذي ينتج عن البقاء وحيدا بمجرد زوال عوامل القوة، التي كانت تحت السيطرة.

بكلمة السطوة الكذابة لعبة غير أخلاقية، وتحمل في طياتها خطورة كبرى، خصوصا وانها تظهر الوجه الحقيقي لبعض الفئات الاجتماعية، حيث تنقلب رأسا على عقب بمجرد الشعور بالقوة، مما يفقدها الكثير من رصيدها الاجتماعي، سواء على الصعيد القيمي او الاداري، وبالتالي فان مرض ”السطوة الكذابة“ يكشف المعادن الحقيقية للرجال، انطلاقا من قاعدة ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“.

كاتب صحفي