آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

اللغة العربية المظلومة

محمد يوسف آل مال الله *

في طريق رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1995 م هبطت الطائرة في مطار باريس الدولي كي نستقلّ طائرة أخرى إلى نيويورك. خلال وقت الانتظار احتجت إلى معرفة الوقت المحلي «توقيت باريس» فتوجهت إلى إحدى الموظفات العاملات خلف منصة الخطوط الفرنسية فسألتها عن الوقت باللغة الإنجليزية، فاجابتني بأنّها لا تعرف اللغة الإنجليزية «نو انجليس - No English».

استغربت من جوابها، فالسؤال كان سهلًا ولا يحتاج إلى معرفة اللغة الإنجليزية. تركتها وتوجهت إلى موظفة أخرى فكان ردّها كسابقتها. كررت السؤال على عدة موظفين وموظفات لأجد نفس الإجابة منهم. صرت انتقل من مكان إلى آخر حتى عثرت على ساعة حائط ومنها عرفت الوقت آنذاك.

بعد وصولي إلى محل إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية، أخذت أفكّر في ذلك الحدث وبعد البحث وجدت أنّهم يصرّون على استخدام لغتهم الأم، اللغة الفرنسية، لاعتزازهم بها، كما يفخرون بذلك ولم يمنعهم ذلك من أن تكون دولتهم إحدى الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي وأيضًا إحدى الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة.

الكثير من العرب لم يعودوا قادرين على الكتابة باللغة العربية الصحيحة، فضلًا عن الفصحى، وذلك بسبب استخداماتهم لبرامج التواصل الاجتماعية المعاصرة، لما يقومون به من محادثات اجتماعية بعيدة كل البعد عن القواعد الأساسية للغة العربية وكأنً هذه اللغة العظيمة قاصرة على إيصال ما يصبون إليه من معلومات للطرف الآخر. كما أنّ استخدام اللغة العاميّة والاختصارات التي لا تمت للغة العربية بشيء خلال محادثاتهم يجعل المستخدم لها في حالة من الضعف لغةً ومنطقًا.

هذه الاستخدامات الخاطئة أوصلت الكثير من الناس إلى مستوى الجهل في النحو والصرف، رغم قدرة لغتنا على وصف كل ما هو مخلوق، مرئيّ كان أو غير مرئي. ألا يكفي أنّها لغة كتاب الله المجيد الذي لا حدّ لبلاغته وفصاحته!!!

يعتقد البعض أنّ استخدامه للغة الصحيحة يجعله في زمن قريش والرسالة، وهذا والله من الجهل المركّب.

يقول شاعر النيل الأستاذ حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية...

وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً

وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ.

فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ

وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ.

أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ

فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي.

فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني

وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي.

كلّما كانت لغتنا قوية واستخداماتنا لها صحيحة، كلّما كانت الحوارات نافعة ومثمرة ومفيدة في تقوية ثقافتنا وعزتنا، ما يجعلنا نفهم معاني القرآن وآياته المبينة بشكل كبير وواسع وبالتالي نحظى بالكثير من المعارف والعلوم ونرتقي بدولنا العربية لتكون في مصاف الدول العظمى.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
فيصل مرهون
[ السنابس - البحرين ]: 7 / 3 / 2021م - 11:35 ص
كلام جيمل أبا يوسف

المفاهيم معكوسة اليوم، ولن تتصحح المفاهيم حتى يعتدل الميزان ويصبح العقل يزن الأمور بميزان عقلي فطري لا ميزان مصلحة وهوى..

غالبية الناس تود أخذ الأبناء للمدارس الأجنبية، والسبب هو التعليم باللغة الإنجليزية، فيكون نصيب الأطفال من تلك الدراسة محو الهوية والتغرب عن اللغة العربية، فيتخرج الطالب ممسوخ القيم والمفاهيم..

نعم الأمة بحاجة إلى أن تعدل الميزان لتزن بميزان الفطرة والعقل وإرجاع الأمور إلى نصابها..

الحديث ذو شجون، والأهم نحتاج لعمل جاد حتى نرجع للأصول وتصحح مفاهيمنا وتصوب الأخطاء التي تجرنا إلى محو الهوية.
2
فيصل مرهون
[ السنابس - البحرين ]: 7 / 3 / 2021م - 11:36 ص
كلام جميل أبا يوسف

المفاهيم معكوسة اليوم، ولن تتصحح المفاهيم حتى يعتدل الميزان ويصبح العقل يزن الأمور بميزان عقلي فطري لا ميزان مصلحة وهوى..

غالبية الناس تود أخذ الأبناء للمدارس الأجنبية، والسبب هو التعليم باللغة الإنجليزية، فيكون نصيب الأطفال من تلك الدراسة محو الهوية والتغرب عن اللغة العربية، فيتخرج الطالب ممسوخ القيم والمفاهيم..

نعم الأمة بحاجة إلى أن تعدل الميزان لتزن بميزان الفطرة والعقل وإرجاع الأمور إلى نصابها..

الحديث ذو شجون، والأهم نحتاج لعمل جاد حتى نرجع للأصول وتصحح مفاهيمنا وتصوب الأخطاء التي تجرنا إلى محو الهوية.
3
ر ع
[ القطيف / القديح ]: 7 / 3 / 2021م - 2:47 م
لو لاحظت في قصتك كيف انهم يصرون على التمسك بلغتهم

بينما نلاحظ أن العربي لايكاد يصدق أن لسانه نطق بعدة كلمات من لغة أخرى حتى يشغلنا بترديدها في كل فرصة تتاح له!

الموضوع واسع جداً وهنالك عدة أسباب أظن على رأسها هي الحالة المعيشية والوضع السياسي والاقتصادي في البلدان العربية والحرب الفكرية الممنهجة

وهذا أثر في نظرة العرب لأنفسهم وتفضيل حياة الآخرين وعاداتهم وهوياتهم ولغاتهم على الهوية العربية

لقد مرت بي فترة درست فيها بعض اللغات بغرض التحدث بها وكلما نظرت إلى لغة زاد عشقي أكثر للغة العربية (مع حبي واحترامي الشديد لكل اللغات)

التقيت بمن يتعلم العربية ويتحدث بها والتقيت بمن يشتكي من بعض العرب والفرس

الروس مثلاً يعتزون بلغتهم كثيراً
فمن شبه المستحيل أن ترى كبار السن يتحدثون بلغة اخرى وحتى الشباب في هذا الجيل قليلاً ماتراهم كذلك

أما من يشتكي فأتذكر شخص امريكي من اصول افريقية اسمه موسى (نشط على يوتيوب) يتضايق حينما يتحدث مع العرب أو الفرس بغرض تقوية لغته العربية ويتفاجئ بأن معظم كلامهم معه باللغة الانجليزية مايجعله يتسائل عن السبب ويتجنبهم بينما البقية كالصينيين والروس وسمي ماشئت كلما يتحدث معهم يشعر بالارتياح وأنه حقق مراده.

أظن أن منطقتنا برمتها تعاني من هذه المشكلة وليسوا العرب وحدهم وهذا مايجعلنا نعتقد بأن السبب هو الحرب على الهوية.