اللغة العربية المظلومة
في طريق رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1995 م هبطت الطائرة في مطار باريس الدولي كي نستقلّ طائرة أخرى إلى نيويورك. خلال وقت الانتظار احتجت إلى معرفة الوقت المحلي «توقيت باريس» فتوجهت إلى إحدى الموظفات العاملات خلف منصة الخطوط الفرنسية فسألتها عن الوقت باللغة الإنجليزية، فاجابتني بأنّها لا تعرف اللغة الإنجليزية «نو انجليس - No English».
استغربت من جوابها، فالسؤال كان سهلًا ولا يحتاج إلى معرفة اللغة الإنجليزية. تركتها وتوجهت إلى موظفة أخرى فكان ردّها كسابقتها. كررت السؤال على عدة موظفين وموظفات لأجد نفس الإجابة منهم. صرت انتقل من مكان إلى آخر حتى عثرت على ساعة حائط ومنها عرفت الوقت آنذاك.
بعد وصولي إلى محل إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية، أخذت أفكّر في ذلك الحدث وبعد البحث وجدت أنّهم يصرّون على استخدام لغتهم الأم، اللغة الفرنسية، لاعتزازهم بها، كما يفخرون بذلك ولم يمنعهم ذلك من أن تكون دولتهم إحدى الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي وأيضًا إحدى الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة.
الكثير من العرب لم يعودوا قادرين على الكتابة باللغة العربية الصحيحة، فضلًا عن الفصحى، وذلك بسبب استخداماتهم لبرامج التواصل الاجتماعية المعاصرة، لما يقومون به من محادثات اجتماعية بعيدة كل البعد عن القواعد الأساسية للغة العربية وكأنً هذه اللغة العظيمة قاصرة على إيصال ما يصبون إليه من معلومات للطرف الآخر. كما أنّ استخدام اللغة العاميّة والاختصارات التي لا تمت للغة العربية بشيء خلال محادثاتهم يجعل المستخدم لها في حالة من الضعف لغةً ومنطقًا.
هذه الاستخدامات الخاطئة أوصلت الكثير من الناس إلى مستوى الجهل في النحو والصرف، رغم قدرة لغتنا على وصف كل ما هو مخلوق، مرئيّ كان أو غير مرئي. ألا يكفي أنّها لغة كتاب الله المجيد الذي لا حدّ لبلاغته وفصاحته!!!
يعتقد البعض أنّ استخدامه للغة الصحيحة يجعله في زمن قريش والرسالة، وهذا والله من الجهل المركّب.
يقول شاعر النيل الأستاذ حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية...
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ.
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ.
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي.
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي.
كلّما كانت لغتنا قوية واستخداماتنا لها صحيحة، كلّما كانت الحوارات نافعة ومثمرة ومفيدة في تقوية ثقافتنا وعزتنا، ما يجعلنا نفهم معاني القرآن وآياته المبينة بشكل كبير وواسع وبالتالي نحظى بالكثير من المعارف والعلوم ونرتقي بدولنا العربية لتكون في مصاف الدول العظمى.