آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

لغة السلام

محمد أحمد التاروتي *

تمثل لغة السلام القاسم المشترك للمجتمعات البشرية، فالانسانية بمختلف اصنافها، وتعدد مشاربها تضع السلام في مقدمة الامال، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لارساء الاستقرار، والعيش المشترك على ظهر كوكب الارض، خصوصا وان الحروب التي عاشت الشعوب تحت ويلاتها ساهمت في التدمير والتخريب، فيما السلام يكرس حالة الوئام وتدعيم الرفاهية لدى الشعوب.

السلام يقوم على مفاهيم راسخة وقناعات ثابتة، فالعملية ليست عشوائية او اجبارية، وانما تنطلق من مبادئ ثقافية قادرة على ارساء حالة الوئام في الحياة العامة، فالبشر يتحركون بأشكال متنوعة لتكريس السلام في الممارسات اليومية، بيد ان النوازع الشيطانية، والتحركات السياسية تدفع باتجاه التخريب، وادخال المجتمعات في اتون الحروب، سواء نتيجة اطماع خارجية او تحولات داخلية، الامر الذي يسهم في احراق الارض وتخريب النفوس، من خلال تكريس ثقافة ”الحرب“، وارساء قواعد القتل والدمار في الممارسات اليومية، مما يحدث خرابا شاملا في النفوس أولا، وتدمير العيش المشترك ثانيا.

لغة السلام بحاجة الى مبادرات حقيقية من اصحاب القرارات، فضلا عن ايجاد المناخ المناسب للدخول في ساحة ”السلام“، فالارادة الصادقة تمثل مدخلا اساسيا في تكريس هذه اللغة في المفردات اليومية، لاسيما وان تحركات اصحاب القرار او الشخصيات المؤثرة، تشكل عنصرا اساسيا في تحفيز هذه الثقافة بالممارسات الاجتماعية، ”الناس على دين ملوكهم“، وبالتالي فان المبادرة الحقيقية تخلق واقعا مناسبا للانخراط في معركة ”السلام“، عوضا من التشبث بمبدأ القتل والدمار، الذي تسلكه بعض الشخصيات الفاعلة، في الكثير من المجتمعات البشرية، كونه اقصر الطرق لتحقيق الغايات والاهداف للاستحواذ على الساحة.

سيطرة السلام على الثقافة الاجتماعية، تحدث اثارا ايجابية في مختلف المجالات الحياتية، فهذه الثقافية تشكل حاضنة لاستيعاب جميع التيارات، واحتضان مختلف التوجهات، كونها عنصر قوة، وعامل للتقدم والازدهار في كافة المجالات، الامر الذي يساعد في تعزيز عناصر الرخاء، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان لغة السلام تقوم على ضرورة اتاحة المجال امام وجهات النظر، ومحاربة مختلف اشكال الاستبداد وسطوة الصوت الواحد، فيما التعامل بوحشية مع التيارات المناوئة، وممارسة العنف تجاه الاراء الاخرى، يقضي على السلم الأهلي، ويدمر الثقافة التسامحية، لدى مختلف الفئات الاجتماعية، فالقوي يحاول اظهار سطوته بطرق متعددة، الامر الذي يحدث خللا عميقا في شبكة العلاقات الاجتماعية، بحيث تظهر على اشكال مختلفة، بعضها يبرز في طريقة التعاملات اليومية، والبعض الاخر في التهميش والاضطهاد بجميع اشكاله المادية والمعنوية.

وجود البيئة الاجتماعية الملائمة لتدعيم لغة السلام، عنصر اساسي في التحرك باتجاه خلق هذه الثقافة، لدى الاجيال على اختلافها، بيد ان المشاريع الثقافية لا تقوم على النوايا، او توافر بعض الظروف الاجتماعية فقط، مما يفرض التحرك الجاد عبر اطلاق الكثير من المبادرات، الداعمة لثقافة السلام في البيئة الاجتماعية، من خلال الاستغلال الامثل للبيئة المثالية الداعمة، للانخراط في هذه الممارسة الانسانية، وبالتالي فان تكريس لغة السلام في النفوس، مرتبطة بالطبيعية الاجتماعية الحاكمة، في الممارسات اليومية، مما يساعد في وضع البيئة الاجتماعية على المسار السليم، والابتعاد عن لغة ”العنف“، والحروب التدميرية التي تحرق الثقافة الاجتماعية، قبل تدمير المباني والمنازل.

تبقى لغة السلام غاية إنسانية، وهدف بشري على الدوام، فالمجتمعات البشرية تنفر من الحروب، وتتطلع الى الهدوء والاستقرار، مما يحركها باتجاه تدعيم المساعي الهادفة لتقريب وجهات النظر، بهدف طرد شبح الخلافات والنزاعات على اختلافها، كونها عنصر تدمير وشحن النفوس بالاحقاد، فيما السلام يجمع القلوب على المحبة والخير، ويدفع باتجاه البناء في مختلف المجالات، واستبعاد كافة اشكال الدمار المعنوي والمادي.

كاتب صحفي