آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

سلطة الكبار

محمد أحمد التاروتي *

السلطة المادية والمعنوية للكبار تبرز على اشكال مختلفة، من خلال انتهاج سياسة الامر الواقع، وفرض القرارات على الصغار، سواء بالتوافق او بدون، حيث تفرض المصالح العليا اتخاذ تلك القرارات الصعبة، وغير المنسجمة مع مصالح الصغار، اعتمادا على المساحات الواسعة الممنوحة، لممارسة السطوة على الاخرين، لاسيما وان التوافق مع الصغار يكون غير ممكن أحيانا، ويتناقض مع مصالحها احيانا اخرى، مما يستدعي اصدار القرارات والسير قدما في تطبيقها، بمختلف الوسائل والطرق، استنادا على امتلاك مختلف الاوراق الرابحة، لترجمة تلك القرارات على ارض الواقع.

الشعور بالقدرة على التأثير المعنوي والمادي، يشكل مدخلا رئيسيا في خلط الأوراق، في طبيعة العلاقات القائمة بين الكبار والصغار، فكلما كانت القدرة كبيرة كلما تزايدت نسبة التدخلات، والعمل على ”سلب“ حرية القرار من الصغار، خصوصا وان عملية فرض السيطرة تمثل عنصرا أساسيا، في الظهور بمظهر القوة، وامتلاك القدرة على توجيه الصغار، في الاتجاهات المختلفة، انطلاقا من قناعات بضرورة اتخاذ القرارات عوضا من الصغار، نظرا لعدم معرفة الصغار بحقائق الأمور، وعدم ادراكها للابعاد الحقيقية، من وراء استمرارية تلك الخلافات، على الصعيد الاجتماعي، مما يستدعي التدخل السريع، ومحاولة اعادة الأوضاع، بما يخدم كافة الاطراف.

اتخاذ القرارات الصعبة، وغير المتوقعة، بمثابة مغامرة غير محسوبة النتائج، خصوصا وان قبول تلك القرارات ليست متاحة في كثير من الاحيان، نظرا لاصطدامها مع مصالح الاطراف ”الصغيرة“، مما يدفعها لمحاولة تعطيلها، او الالتفاف عليها بمختلف الطرق، فتارة من خلال التفاوض على الاليات المتبعة لتنفيذها، ومحاولة ايجاد الثغرات للتملص منها، وتارة بواسطة تقطيع الوقت، والعمل على تفريغها من محتواها، مما يسهم في الخروج باقل الخسائر، عوضا من الرضوخ لتلك القرارات بحذافيرها، وبالتالي فان عملية الاستسلام ليست واردة على الاطلاق، بمجرد صدور القرارات ”الصادمة“ من الكبار.

امتلاك الكبار الكثير من الادوات الرابحة، والتلويح بالعصا الغليظة، سياسة ”مألوفة“ في الاجبار، ومنع الخروج من بيت ”الطاعة“، فالكبار يدركون الحرج الشديد لدى الصغار، من التسليم الطوعي للقرارات الصعبة، مما يحتم اللجوء الى الشدة، والحزم في سبيل الحصول على الموافقة والتأييد، فتارة من خلال التلويح بضرورة ”اطاعة الكبير“، مهما كانت الأسباب، وتارة اخرى برفض كافة اشكال الامتعاض او المقاومة، انطلاقا من قاعدة ”الشيوخ ابخص“، وبالتالي فان العصيان يجلب الكثير من المتاعب، ويترك تداعيات سلبية على الجميع، مما يستدعي تنفيذ القرارات بدون ابداء المعارضة، او محاولة السير في التيار المعاكس.

محاولة ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل الصغيرة والكبيرة، تشكل المدخل الرئيسي للتدخل في الشؤون الخاصة للصغار، فالكبار يعمدون للانخراط في المسائل الكبرى، واحيانا التدخل في القضايا الصغيرة، فتارة لفرض المزيد من السطوة والنفوذ على الصغار، وتارة لاظهار جانب من الاهتمام بشؤون الجميع، بيد ان التدخل السافر يواجه بامتعاض شديد، ورفض كبير، انطلاقا من القناعات بضرورة ترك الشؤون الصغيرة، والاهتمام بامهات المشاكل، وبالتالي فان الاحترام المتبادل بين الكبار والصغار، مرهون بالاليات المتبعة، في طريقة ادارة الملفات على اختلافها، بمعنى اخر، فان اللجوء الى القرارات المفاجئة وغير المتوقعة، يضع العلاقات في مهب الريح، لاسيما وان الصغار يحاولون ايجاد الوسائل المناسبة، للخروج من سطوة الكبار، والعمل على اتخاذ القرارات، بمعزل عن الفرض، مما يمهد الطريق لفقدان جزء من النفوذ لدى الكبار، وبالتالي فان استمرارية الاحترام المتبادل بين الكبار والصغار، مرتبطة بطريقة التعامل في مختلف المجالات الحياتية.

كاتب صحفي