آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 7:35 م

احذروا حمض الأسيد

نجاة آل إبراهيم *

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الحجرات - 12

في منهجية الله سبحانه وتعالى لبناء مجتمعات إسلاميه آمنة يؤكد على أن الإيمان الحقيقي هو تَجسيد القيم الفكرية التي نحمِلها ونُؤمن بها وندَّعيها إلى واقع مُعاش، وإلى منهج وآداب للعلاقات الإنسانية في هذه الحياة.

هذا المنهج وهذه الآداب تُقوّي وتُمتّن من العلاقات بين المؤمنين، وهل هناك أجمل من أن نعيش حالة القوة والألفة والوفاق والمودة بين بعضنا البعض.

هكذا تُقَدّر قيمة المجتمعات، بمبادئها وأهدافها وقِيمها التي تحملها وتُطبقها وتَحميها.

”سوء الظن“ مفتاح من مفاتيح الشر والفتنة والاختلاف والفرقة التي تنخر في بُنيَة العلاقات الاجتماعية.

يسبب: الضعف والوهن وزوال الثقه فتنتفي حركة التفاعل والتكاتف بين المجتمع وبالتالي يعيشون حالة الريبة والتشكيك فيما بينهم.

الظن: مأخوذ من مادة «ظ ن ن» التي تدل على معنيين: • أحدهما اليقين • والآخر الشك.

قال الراغب: الظن: إسم لما يحصل عن أمارة متى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم تتجاوز حدّ التوهم.

معنى ”سوء الظن“: أن الانسان يتخيل ويظن بأقوال الآخرين وأفعالهم سوء ويرى هذا الخيال حقيقة ويرتب عليه آثار.

• مثال: لو شاهد أحد امرأة تتحدث مع رجل «يعرفه في العمل» يخطر في ذهنه أن بينهما علاقة غير مشروعه وأن حوارهم هذا حوار غزل، عند إذن يفقد الثقه به ويتعامل معه على أنه إنسان فاسد لا يتورّع عن النظر إلى غير المحارم.

إن سوء الظن هذا مثل حمض الأسيد الذي هو من أخطر المواد الكيميائية الحارقة، فكما يحرق حمض الأسيد الجسم ويشوه المنظر، كذلك ”سوء الظن“ يحرق إيمان المرء ويُميت الهدوء النفسي لصاحب هذه الرذيلة، وبإعتباره إنحرافا فكرياً فإن ذلك يَمنعه من التقدّم في حركة الحياة، قال الإمام علي : ”مَنْ ساءَ ظَنُّهُ، ساءَ وَهمُهُ“.

لفتة مهمة:

القرآن يقول: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، معنى ذلك أن سوء الظن ليس دائماً مذموماً ففي روايات أهل البيت أن سوء الظن يجوز ويجب في بعض المواقع، مثل:

1 - اذا غلب الفساد:

يقول الإمام علي : «إِذَا اِسْتَوْلَى اَلْفَسَادُ عَلَى اَلزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ اَلظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ».

على الإنسان أن يكون ذكياً، حذراً، كيساً، فطناً في هذه الموارد حتى لايتم خداعه.

2 - بعد التصالح مع العدو:

لأن ذلك يدل على السذاجة وعدم الحنكة لما قد يكون في التصالح من حيلة جديدة للتغافل والتسلط على المسلمين.

قال الامام علي : «الْحَذَرَ: كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ. فَخُذْ بِالْحَزْمِ: وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ».

هكذا أراد لنا الله أن نعيش بقلوبٍ بيضاء، امتلات بأرقى المُثل والقِيم وأجمل المعاني الفاضلة، قلوبٌ تحمل الكلام على محمل الخير مادامت ترى له محملا..

قلوبٌ نَسلَم بها من أذى الخواطر والأفكار التي تُؤذي النفس وتُتعب الجسد وتنخر في الإيمان.

اللهم بصّرنا بعيوبنا، ونقّ صدورنا وقلوبنا، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، واختم بالصالحات أعمالنا.

مسؤولة اللجنة النسائية في جامع الإمام الرضا بصفوى