آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:25 ص

هل تختار مدرسة أجنبية؟

الدكتور توفيق السيف * صحيفة الشرق الأوسط

دعنا نفترض أن لديك 3 مدارس، إحداها تقدّم دروسها باللغة العربية فقط، والثانية باللغة الإنجليزية فقط، والثالثة تقدم العلوم بالإنجليزية والآداب بالعربية. ثم سألت 100 من الآباء كي يختاروا لأبنائهم المدرسة التي يرونها مناسبة. فما الذي تتوقع؟

أعلم أنَّ الجواب حاضر لديك. وهو على الشكل التالي؛ 45 في المائة سيختارون المدرسة التي تستخدم اللغة الإنجليزية فقط، و35 في المائة سيختارون المدرسة التي تستخدم اللغتين، أما المدرسة التي تقتصر على اللغة العربية، فالمرجح أن يختارها 10 في المائة أو أقل.

أصحاب الخيار الأول «الإنجليزية فقط» يرون أن التعليم باللغة الإنجليزية سيضمن لأبنائهم وظائف ممتازة. وبعضهم سيقول أيضاً إنَّ الإنجليزية هي لغة العلم الحديث. وآخرون سيقولون إنَّها لغة التواصل مع العالم. فمن أراد العلم أو أراد التواصل مع العالم، فلا بدَّ أن يتقن الإنجليزية.

أما أصحاب الخيار الثاني «المختلط» فهم في الغالب من المحافظين، الذين يخشون انقطاع أبنائهم عن التراث الإسلامي ومصادره الثقافية. لكنَّهم في الوقت نفسه يعتقدون أن الإنجليزية ضرورية لضمان الارتقاء الوظيفي أو النجاح في الحقل العلمي.

أصحاب الخيار الثالث، هم في الغالب ممن يخشى تبعات دينية أو سلوكية للانفتاح على العالم. وسوف أضيف إلى أصحاب الخيار الثاني شريحة صغيرة نسبياً لكنَّها مؤثرة، أعني بها هؤلاء الذين يركزون على حاجة البلد كله للارتقاء في مجالات العلوم والتقنية، التي تتطلَّب - حسب اعتقادهم - أن يكون الشباب كافة قادرين على متابعة ما يشهده العالم من تطورات علمية أو تقنية.

دعنا الآن نطرق الموضوع من زاوية ثانية، لو قسمت طلاب الثانوية أو الجامعة إلى قسمين، الأول يدرس مادة علمية في الطب أو الهندسة أو الفيزياء باللغة الإنجليزية فقط، والثاني يدرس المادة نفسها باللغة العربية فقط. فأي القسمين سيكون أفضل استيعاباً للمادة العلمية؟

أعلم أيضاً أنَّ الجواب حاضر لديك. وهو أنَّ القسم الثاني، أي الدارسين بالعربية هم الأكثر استيعاباً. الحقيقة أنَّ هذا القول تدعمه أيضاً دراسات كثيرة، أذكر منها دراسة البروفسورة ريما الجرف، ودراسة البروفسور يعقوب نامق، وكلاهما استند إلى بحوث ميدانية حديثة.

لكن بعض القراء قد يعتبر هذا مخادعة. لأنَّ المشكلة ليست في إلقاء الدرس «أي مدرس جيد سيقدم المادة بصورة جيدة، سواء تحدث بالعربية أو الإنجليزية». المشكلة كما يقول هذا الزميل أنَّ الطالب محتاج للمراجع العلمية والأبحاث الجديدة، وهذه كلها تتوفر بالإنجليزية فقط. ولهذا فمن الأفضل أن يبدأ بها، كي لا يواجه صعوبة في الطريق.

وهناك مشكلة أخرى، دعنا نفترض أنَّ الطلبة درسوا الهندسة باللغة العربية، وأتقنوها كل الإتقان. لكنَّهم بعد ذلك انضموا لشركة أجنبية. فكيف سيتفاهمون مع المهندسين والموظفين الأجانب، كيف سيفهمون مصطلحاتهم وأساليبهم؟

هذه إذن مشكلة تتعلق بالوظيفة، وليس بالتعليم نفسه. لأنَّه يمكن للطالب أن يتعلمَ الإنجليزية لغةً ثانية، هذا لا يتطلب أن يدرس بها.

الحقيقة أنَّه لا ينبغي أن نبدأ هذا النقاش بسؤال؛ أي من اللغتين أفضل في مجال التعليم؟ السؤال الصحيح هو؛ ما الأغراض الكبرى للتعليم الوطني؟ مثلاً؛ ما طبيعة سوق العمل الذي نريد إعداد الشباب له؟ بل كيف نجعل التعليم صانعاً لسوق العمل، بدل أن يكون منفعلاً به؟ ومنها أيضاً؛ هل نريد توطين العلم وإنتاجه وتشبيكه في نسيجنا الثقافي؟ ومنها؛ هل نريد استخدام التعليم في توحيد الثقافة الوطنية والهوية الوطنية التي تنبثق منها؟ مناقشة هذه الأسئلة ستساعدنا في تحديد الخيار الأنسب للبلد ولمستقبلها كله. ولو بدأنا بها فلعل النقاش يأخذنا لمسار آخر.

باحث ومفكر عربي من المملكة العربية السعودية.