آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

دعوة مسيحية وكلمة إسلامية

محمد يوسف آل مال الله *

في العام 1984 م وبالتحديد في ولاية كانساس بالولايات المتحدة الأمريكية، اتصل بي صديقي زمام الخالدي، سعودي من الأخوة السنّة وطلب مني الحضور إلى شقته.

لم يخبرني عن سبب الحضور وفضّل أن يخبرني عند وصولي. ما أن وصلت حتى رأيته مبتسمًا وكأنّه يخفي أمرًا. بعد أن ألقيت عليه التحيّة بادرني بالقول: جهّز نفسك لإلقاء كلمة عن الإسلام.

فتحت عينيّ حدهما: ماذا؟ كلمة عن الإسلام!! كيف ومتى وأين؟

أجاب وهو غارق في الضحك: لقد اتصلت بي سيدة أمريكية من إحدى الكنائس هنا وطلبت منّي أن أتحدث عن الإسلام. اعتذرت إليها لعدم قدرتي على ذلك، فطلبت منّي أن أجد لها شخصًا مسلمًا يتحدث بدلًا عنّي، فلم أجد أفضل منك ليتحدث وخصوصًا أنّ ثقافتك الدينية أكبر من ثقافتي.

بقدر ما كنت متخوّفًا، كنت متحفّزًا. لم يدم الحديث مع صديقي طويلاً حتى اتصلت على السيدة الأمريكية وأخبرتها بموافقتي لإلقاء الكلمة التعريفية عن الإسلام وتم الاتفاق على اليوم والوقت والمكان. يقول سبحانه وتعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا النساء «94».

بادرت بجمع المعلومات عن الإسلام باللغة الإنجليزية ولحسن الحظ كان لديّ كتاب بعنوان ”Islam in Focus“ فاقتبست منه الكثير من المعلومات وأعددت كلمة تليق بالإسلام والمسلمين.

دعوت أصدقائي وزملائي العرب للحضور بالإضافة إلى دعوة أستاذي في مادة الأحياء الدكتور جمال وهو مصري الجنسية ومن الأخوة السنّة ليكون داعمًا لي في حال لو تم طرح سؤال يحتاج إلى المزيد من الشرح فلغته الإنجليزية أقوى من لغتي بلا شك، فرحّب بالدعوة وحضر مع زوجته وهي بكامل حجابها ولباسها المحتشم الذي عكس صورة جميلة عن المرأة المسلمة وحجابها. يقول عزّ وجلّ:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن ُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًارَّحِيمًا الأحزاب «59».

ما أن وصلنا مبنى الكنيسة حتى وجدنا الاستقبال الحار والابتسامة تعلو محيّاهم يقدّمون أنفسهم الرجل تلو الآخر والسيدة تلو الأخرى وهم يعبّرون عن سعادتهم بحضورنا.

بدأت بإلقاء كلمتي بعد أنّ عرّفتهم بنفسي وبأصدقائي وزملائي وكذلك بالدكتور جمال وزوجته وأخذت أتحدث عن الإسلام وسماحته وإيماننا بالرسل والأنبياء ما جعلهم ينشدّون للاستماع ويدوّنون بعض الملاحظات حتى يتسنى لهم طرح الأسئلة لاحقًا.

ما أن انتهيت من إلقاء كلمتي حتى ضجت القاعة بالتصفيق. بعدها بدأوا بطرح الأسئلة عن الإسلام والمسلمين وعن نقاط الالتقاء والاختلاف بين الشريعتين؛ المسيحية والإسلامية وكنت أتناوب مع الدكتور جمال على الإجابات.

لا يفوتني هنا أن أذكر تعليقًا لرئيسة الكنيسة حيث قالت: ”من خلال كلمتك لا أجد فرقًا بين المسيحية والإسلام إلاّ في بعض الأمور البسيطة، مما يدلل على أنّنا متقاربين وليس ثمة من أمور تجعلنا أعداءً ومتفرقين. علينا أن نحترم ونقدّر ونثمّن جهودنا ونتعاون مع بعضنا البعض لخلق مجتمعات صالحة وراقية“. عقّبت على كلمتها بتعليق وقلت لها: وهذه هي رسالة الإسلام.

بعدها غادرنا الكنيسة مودعين بحفاوة بالغة وتقدير كبير تاركين وراءنا أثرًا حسنًا وصورة جميلة عن الإسلام والمسلمين.