آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

شكرًا للخبز - سلسلة خواطر متقاعد

المهندس هلال حسن الوحيد *

بعد أيَّامٍ قليلة يصل شهرُ رمضان المبارك، ومنْ مِن أبناء جيلي لا يشكر اللهَ على نعمةِ الخبز في شهرِ رمضان؟ به وبقليلٍ من المرق ينتهي الصِّيام على صوتِ المؤذن، وبقليلٍ منه والحليب أو الأرز واللَّبن يتمّ السُّحُور. ولا يزال هذا الخبز - النِّعمةَ الوافرة - أطيبَ مأكولٍ في شهرِ رمضان وفي غيرهِ من الأيَّام.

أصبح الخبزُ في مرمى المنافسة من وجباتٍ أخرى، وكفرَ به الكثيرون الذين لم يعرفوه ولم يكن مكوِّنًا أساسيهًا في حياتهم، كما لا يزال الآن أساسيًّا في حياة كثيرٍ من سكَّانِ العالم، من محدوديّ الدخل. رحمَ اللهُ الإمامَ عليَّ بن أبي طالب عليه السَّلام كان يكسره يابسًا على ركبتيه ويصبّ عليه الماءَ ويأكله مع الملح. ويحكي التاريخ أنه في ليلةِ استشهاده، التاسع عشر من شهرِ رمضان، أكل قرصًا واحدًا بالملحِ الخشن.

أيام زمان، كنا نصطف مدَّة طويلة قبلَ غروبِ الشَّمس في انتظار أن نشتري الخبزَ يومًا بيوم لأنه لم يكن متوفرًا إلا في المساء في شهر رمضان، وفي سائر الشِّهور في السَّاعاتِ الأولى بعدَ الفجر وبعدَ العصر. والآن أنواعه لا تحصى في المخابزِ والأسواق على مدارِ السَّاعة. 

أنا كلَّما سمعتُ أو قرأت من ينصح بالإقلال من تناول الخبز، وأنَّ كثيره يضر، أقول: شكرًا للهِ على الخبز، فلولا حضوره في أيَّام صغري، لم أكن لأشبع وألعب وأتعلَّم وأكبر. لم ينفخ بطني ولم يضرَّني، بينما كادَ الجوعُ أن يقتلني. وعندما ينكسر في يدي وتسقط كسرةٌ منه، فهي مقدَّسة وجديرةٌ بالأكل. وفي هذه الأيام يتغنّج الشُّبان والشابَّات، فلا اللَّحم أو السَّمك أو الدَّجاج يرضيهم!

لا أستغرب ما كُتب عن قداسة وأهميَّة الخبز، لأنني - والكثير ممّن هم في عمري - أدركنا أهميَّته وحضوره في الصَّباحِ والمساء وفي صباحيَّات تبريكات المتزوجين، ومن طريف ما يروى في احترامِ الخبز أن النبيّ محمَّد صلَّى اللهُ عليهِ وآله قال: ”إذا أوتيتم بالخبز واللَّحم فابدءوا بالخبز فسدوا به خلالَ الجوع ثم كلوا اللَّحم“. وغيرها من الوصايا الجميلة التي لم يحظَ بها طعامٌ مثل الخبز.

مع كلِّ هذه الأهميَّة، يبقى الخبز والأرز أكبر نعمتين ينالهما الإهمالُ والهدر، وليس شهر رمضان المبارك عنّا ببعيد، فهو شهرٌ من المفترض أن يقل فيه الأكلُ وإهدار الطَّعام، إلا أنه لا يحصل المطلوب! بل يتضاعف الهدرٌ الغذائي بسبب امتلاء الموائدِ الرَّمضانيَّة بأشكالٍ وأصنافٍ مختلفة من الأطعمة التي تزينها ثم تنتهي في مكبِّ النّفايات!

يحلّ ضيفًا شهرُ رمضان المبارك وأفضل وصفة لاحترَام الخبز وعموم الطَّعام هي: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. كلوا وتمتَّعوا بطيِّبات الأكلِ والشَّراب الحلال، دون أن تُمرضوا أنفسكم أو ترموا هذه الطَّيبات في القمامة. فهناك في جميع بقاعِ العالم من يتمنَّى أن يحضرَ على مائدته ولو نوعٌ أو صنفٌ واحدٌ من هذه النعم، ولا يجد!

مستشار أعلى هندسة بترول