آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

هلال رمضان تاروت بين حوسة الماضي ويسر الحاضر - سلسلة خواطر متقاعد

بونٌ شاسع بين سهولةِ ويسر معرفة أن يومَ غدٍ هو أوَّل يومٍ من شهرِ رمضان في الحاضر عمَّا كانَ عليه قديمًا في جزيرة تاروت! في الماضي - الذي عشناه - كانت قلعة تاروت هي النّقطة الأعلى التي يعتليها بعضُ المترائين للهلال، فإن كان ثمَّ من رؤيةٍ واضحة كان فيها الشِّفاء، وإلا قد يطول الإنتظار!

ولأنه لم يوجد خطوط هاتف أرضية في تلك السَّنوات والسيَّارت قليلٌ ملَّاكها والطَّريق غير سالكة بين الجزيرة والقطيف، كان الخبر يأتي من القطيفِ متأخرًا، التي بدورها قد يأتيها خبر الثبوت أو يثبت الهلالُ فيها متأخرًا، فربما تأخرت أخبارُ رؤية الهلال في تاروت حتى مطلعَ اليَّومِ التالي. وتسود حالاتٌ من الترقب والانتظار وتضارب الأنباء وانتظار النَّاس على أبوابِ شيوخِ الجزيرة ووجهائها. وكنا في بعض السَّنوات ننام على رأيٍ ونصبح على آخر من الإفطارِ أو الصِّيام!

ثم مرحلة ما بعد الهاتف الأرضي، سهل الأمر فصارت أخبارُ الهلال تصل عن طريقِ الهاتف الذي ربطَ الجزيرةَ بالقطيف وغيرها من مدنِ العالم مثل مدينةِ النَّجف الأشرف في العراق آنذاك، التي لطالما استأنس أهالي الجزيرة برأيها ووضوح موقفها بالنِّسبة لثبوت هلال شهرِ رمضان وشوَّال وغيرهما من الشّهور. وفي هذه الفترة كانت عامَّة الناس تسأل بعضها في المجالس عن حالِ الهلال ويتناقل الخطباءُ الأخبارَ الواردة عن ثبوتِ الرؤية من عدمها، ومن ثمَّ قصرت مدَّة الانتظار.

كم هو مذهل الآن حين لا يحتاج عامَّة النَّاس لصعود القلاع والأماكن المرتفعة، ولا الخروج للبراري، فمع توفر المراصد وأخبار الفلك وتوقعات الرُّؤية وخروج بعض مجموعات الاستهلال، وسهولة انتقال الأخبار بواسطةِ الهواتفِ المحمولة، لا ترقب ولا انتظار لتلك اللَّحظة التي يُعلن فيها عن الصِّيام أو الإفطار.

في ذلك التاريخ القديم كانت لحظات مرحة حين يُحكى عن بعض كبار السنّ أنهم رأوا الهلال مع شح بصرهم وتعذر الرُّؤية. أحيانا نرى هلال العيد أكبر حجمًا مما نظن والبعض يسافر ليتحاشى صومَ يوم العيد المشكوك في أمره، أو لا يجلس لتلقي المهنئين بالعيد تفاديًا للحرج!

هذه فقط بعض الذّكريات - وإن مشوشة - لكي يعرف أبناءُ وبنات هذا الجيل كم هم في نعمةٍ وترف، فليهنأ واحدهم ويحمد اللهَ عليها. ولكي يتذكر أبناءُ ذلكَ الزَّمن الماضي كم كانَ من زمنٍ قاسٍ ولا يمجدوه ويَمدحوه بما ليس فيه.

مستشار أعلى هندسة بترول