آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

واشرح صدري لشهرك المعظم

الصوم نفحة إلهية تلقي بظلال النباهة والوعي على عقل الإنسان بإعادة حساباته وفهم واقعه ومستقبله، فقد تغيب النفس عن صاحبها في زحام الحياة ومشاغلها، والتي تفقده الاهتمام والرعاية لأولوياته والعناية بتهذيب وتزكية روحه من شوائب الأهواء، وفي الأجواء الروحية للصوم والتي تحمل معنى الرجوع إلى الله تعالى والحرص على إتيان الأعمال الصالحة التي تقرب منه عز وجل، يستعيد الإنسان رشده ونورانية تفكيره ليعيد صياغة نفسه وفق القيم والآداب التربوية والروحية، فيتنبه لأوجه تقصيره وتلك الخطايا التي صدرت منه وما زال بعيدا عن معالجتها وتجنب عواملها، فتلك الخلوات مع النفس والتفكير في الحال والمآل من أهم غايات الصوم، حيث جعلت الشريعة الغراء عبادة التفكير من أهم للعبادات الواعية التي من خلالها يصل العبد لأعلى درجات المعرفة بالعظمة الإلهية.

وأي تربية للإرادة الإنسانية يتلقاها المرء من الصوم تخلصه من ضعف الاستجابة للأهواء كمدرسة الصوم، فكأن المفتون بالنزوات مغلل بقيودها لا يملك كرامة ولا عزة، وتغوص رجلاه في وحل الانحطاط الشهواني ملغيا عقله في معرفة الصواب من الخطأ، وكفى بذلك مددا للصائم في الأخذ بأسباب القوة والاقتدار في مواجهة الأهواء النفسية وتزيين الشيطان، فيرتفع في مستواه الروحي والمناعي التحصيني لأعلى الدرجات، فالصوم في دعوته للإمساك عن المفطرات تقوية للإرادة وعلو عن مهاوي الانحراف والخطايا.

كما أن الصوم يربي المشاعر الوجدانية للإحساس بآلام واحتياجات الفقراء واليتامى، ممن ينتظرون النظرة الشفوقة واللمسات الكريمة من ذوي القلوب البيضاء لتمسح عنهم قسوة الزمن والظروف الاقتصادية الصعبة، إنها ظلال الروح الإنسانية الجميلة والتي تمد فيها جسور المودة والاحترام والتعاون والتكافل.

ومن تلك المضامين العالية للصوم هو تنمية وتربية الجانب الروحي للإنسان، من خلال البرامج العبادية التي تمتليء بذكر الله تعالى وتلاوة كتابه، فتورث العقل تلك الحكم والقيم التي تصبغ شخصيته بالفهم والاتزان، فيجعل من محاسبة نفسه والتدقيق في أفعاله طريقا موصلا للقرب من الله تعالى.

وتلك الدعوة إلى تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية والاهتمام بمبدأ التواصل وتنمية مشاعر المحبة وتفقد أحوال الأرحام والجيران هو مبدأ تكافلي مشرق يهبنا أنواره الشهر الفضيل، بل ورد أن تحسين الأخلاق والحرص على التعامل بإنسانية ولطف ولين هو من أهم مضامين الصوم كما في الروايات الشريفة، وهو يدل على الأولوية في مضامين الشريعة الغراء والتي تجعل من التدين سلوكا متحركا مع الإنسان كظله، يلازمه في منطقه وتصرفاته التي يلتزم فيها بالخلق الرفيع.

وإذا نظرنا إلى مضامين الأدعية المباركة في شهر رمضان نجد فيها الاهتمام بأحوال الآخرين من الأحياء والأموات، فيدعو ربه - الذي فتح له أبواب الرحمة مواسيا إخوانه في كل أحوالهم وظروفهم الصعبة - أن يتفضل عليهم بتغير الحال إلى أحسن حال فيلطف بهم ويشافي آلامهم ويسعف الملهوفين والمعوزين.

ومدرسة الصوم تربي في دعوتها للإمساك عن المفطرات وتحمل تبعاتها نفسية الصائم لتحمل المتاعب والمشاق؛ لينطلق في ميادين الحياة الصعبة ويواجه المشاكل والظروف الصعبة بروح الصبر والتكيف مع الأزمات حتى يصل لحلول ممكنة، بعيدا عن روح الانهزامية والضعف التي يصاب بها البعض في مواجهته للصعوبات في حياته، فالصائم تربى على مواجهة القسوة والصعوبة والاستمرار في تحقيق أهدافه دون النظر للوراء، وهكذا يتحرر من الخوف من الظروف القاسية مهما بلغ ارتفاعها وعتوها.

‫‬