آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

مساحة حرية

للعلاقات الزوجية أسس وعوامل تقوم عليها لتحقيق الأهداف والغايات من تلك الحياة المشتركة، فلا يمكننا الحديث عن الاستقرار والسعادة الزوجية وغيرها من ثمار ونتائج ونحن نغفل عن تحقيق عوامل القوة في العلاقة بين الزوجين، فالثقافة الزوجية الصحيحة التي يحملها الطرفان تحقق قدرا كبيرا من الهدوء النفسي وراحة البال، والتفاهم بين الزوجين وآلية الحوار والنقاش في الجوانب المشتركة بينهما يفتح المجال أمام إيجاد عواطف صادقة بينهما، بينما التعامل باستهتار أو انفعال شديد عند حدوث سوء فهم أو خلاف بينهما يخلق فجوة في علاقتهما وقد تزداد مساحتها مع تكرار المواقف المتشنجة، كما أن مظلة احترام شريك الحياة في شخصيته وأفكاره وآماله وطموحاته تحقق الهدف المنشود لكل طرف، بل ومساعدته والتضحية بشيء من وقته وجهده لتحقيق أهدافه، بينما التجاوز على شخصية الآخر وتضييق مساحة الحرية عليه بل وتوجيه الإهانة له أو استنقاصه أو الدخول في مشاحنات ومشاجرات معه، تعكر صفو الحياة وتقلص مساحة الحب بينهما حتى ينحسر شيئا فشيئا، فهل يمكننا الحديث عن إخفاق في العلاقات الزوجية ونحن نضرب بعرض الحائط تلك المقومات الأساسية لعلاقات وازنة بينهما؟

والحب ليس مجرد قوالب كلامية تختفي منها التعابير والمشاعر الصادقة، فالمحبة تتميز بالتحرك بطول المواقف بين الزوجين والتعبير عن الامتنان والشكر لوجوده الإيجابي والمساند في حياته.

ومن الأسس المقومة للعلاقات الزوجية الناجحة هو إبقاء مساحة من الخصوصية والحرية لشريك الحياة دون اقتحامها والعبث بها، فلكل فرد آمال وطموحات من حقه أن يعمل على إيجادها على أرض الواقع تتعلق بالمواهب والمهارات أو الفرص التعليمية أو الوظيفية، والعلاقة الزوجية تحقق تلك الطموحات بالتوافق بين الزوجين وتقديم بعض التنازلات غير المؤثرة بتوازن علاقتهما، فالتضحية عامل مهم في تقوية المشاعر والعلاقة بينهما، بينما يشكل صدمة للزوج تلك الحالة من التدخلات السافرة في علاقاته بأهله أو أصدقائه مثلا، وعدم استماع الزوجة لوجهة نظره، بل وتبدي استعدادا للدخول معه في معترك المشاحنات، وكذلك تصاب الزوجة بالصدمة من حالة التزمت والتحكم المسيطر من زوجها، فلا يبدي تفهما ولا استعدادا للاستماع لوجهة نظرها، ومن ثم القبول بالدخول معها في تفاهمات وحلول ترضي الطرفين، فهذه الصورة من تقييد الحريات وتقليص مساحتها تجعل من أحد الزوجين يشعر بالسخط من العلاقة الزوجية وعدم الارتياح لها، فالزواج الناجح يتمسك فيه الطرفان بأسس الاستقرار والتفاهم وإعطاء هامش من الحرية لكل طرف ليمارس خصوصياته، ويعمل على تحقيق طموحاته دون اقتحام لاآخر في كل صغيرة وكبيرة من حياته.

وهناك من يفهم بصورة خاطئة حقيقة العلاقة الزوجية والشراكة فيها بمعنى الاندماج التام دون إيجاد مساحة خاصة لكل طرف كما كان قبل الزواج، فقوامة الرجل وكونه عمود الأسرة الإداري والمالي لا يعني حالة التغول والتنمر والتضييق على حرية شريك حياته وعدم إفساح المجال له بمزاولة هواياته الخاصة وإبداء وجهة النظر في إطار التفاهم والحوار.

الزواج مشروع لتكوين علاقة مع شريك الحياة يبادله فيها المشاعر والثقة والتعاون والتضحية؛ ليكونا مستقبلا عمودين لأسرة متماسكة ومستقرة ومتحابة، وأما التزمت ورفع شعار الممنوعات دون تفاهم، فهو بالتأكيد مما يعكر صفو علاقتهما ويشعر الشريك الآخر بالاختناق لضيق مساحة الخيارات.

كما أن الملف المفتوح للخلاقات والمشاكل يعطي انطباعا سيئا عن العلاقة الزوجية ويشوه صورتها في ذهنية الشباب والفتيات، وهنا دعوة صادقة لتطبيق ثقافة التسامح والتغافل عن الأخطاء البسيطة في إطار التفاهم والحوار.

والصورة التي يحملها الشاب والفتاة لمستقبله أنه مجموعة من الأهداف التي يعمل على تحقيقها بما يتناسب مع ذوقه وميوله وأفكاره، ويعمل على إزاحة كل العراقيل التي تزدحم في طريق يشقه بهمة عالية، وتقييد الحريات والتحكمات غير المبررة تقتل الأحلام وتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق!!

الشراكة الزوجية تعني دعما لبلوغ الغايات بما يتناسب مع ظروف الطرفين دون حيف أو تجن أو أنانية يضيق فيها على الطرف الآخر، يجد شريكا يمنحه المشاعر الصادقة والكلمة الطيبة والمواقف الداعمة في مسيرته العلمية أو تنمية مواهبه وقدراته، فالزواج الناجح يعني اندماجا وتوافقا بين روحين دون إلغاء الآخر أو تضييق مساحات الحرية عليه، بل يحترم في وجوده وآماله ويتم مناقشة أمورهما بهدوء وحكمة.