آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:08 م

مُتسولٌ بين أرفف الكتب

ليلى الزاهر *

فضول المعرفة يسوقك لاكتشاف أحدث المُنتجات الفكرية على الساحة الثقافية، وهذه النزعة المعرفية لديك تدفعك لتتبع خطوات أصدقائك المحبين للقراءة فتسأل هذا عن آخر كتاب اقتناه، وتسأل آخر عن مجريات سوق الكتاب!

وقد تجد الفضول المعرفي يجبر ساقيك للهرولة نحو المكتبات فتعيش الديناميكية المطلقة التي تصاحب عقلك في مختلف الأزمنة.

إنني مؤمنة بأن التّسول المعرفي أرقى أنواع التسول، يُضيف للإنسان أرقى الفنون ويكشف كل الطرق المُعْتِمة؛ لذلك تبهجني مطالعة أمهات الكتب التي تزخر بها بطون المكتبة العربية، أُقلب صفحاتها، فأقرأ حَذَاقَة المعاني، وفنون الكلام في زمن لم أعشه، أعشق أسلوبهم في ردم هوة القرون التي تفصلني عنهم، فما أنا بين يدي الجاحظ سوى عاشقة لبخلائه، وكيف يمكن أن يتجاهل أدباء عصرنا إبداعات المتنبي وأنا أسمع صوته يرتجز المنظوم فوق بلاط القصور؟

وبنظرة تاريخية لمختلف أزمنة العصور الإنسانية نلمح إرثَ الكتاب، وتعاقب ظهوره بين يدي باحث يستعين به في دراسة بحثية أو نقدية؛ لذلك أنا وأنت عندما نلمح كتابا ذُيل باسمي أو اسمك فقد جاء ذلك بعد أن صارعنا الحروف وبارزنا الكلمات لنخرج إرثا لن يموت أبدا.

سوف تقرأ الأجيال القادمة ثرواتك الحرفية، وتضعها تحت مجهر النقد، ولن يموت جسدك الإنساني ما دام محصولك الفكري متداولا بين أرفف الكتب.

ماعليك إلا أن تُدلل حروفك وتجمعها في كتاب يضمّ نظرياتك وآراءك، بعد فحصها على عقلك مرارًا وتكرارًا؛ لأنها سوف تأخذ طريق الخلود وإن رحلتَ، وسوف تكون مُضيئة وإن خبا نورك، ضع في اعتبارك أنه ليس بالأهمية بمكان أن تحظى بالقبول عند الجميع لكن يكفيك فخرًا أنها أبصرت النّور بعد أن كانت حبيسة أوراقك الخاصة.

وإذا كان من الحقائق التي لاجدال فيها مقت الإنسان ونفوره من التكرار والرتابة المملة المطروحة في بطون بعض الكتب لذلك جاءت صناعة الكتاب المميز أمانة في أعناق أهله.

وقد يكون تكرار المحاولة هاجسًا يرافق البعض؛ لأن جماله الداخلي اتّفق مع كلماته الراقية مما دفع الناس لارتشاف مؤلفاته بحب استثنائي أو حب نادر.

سألتقيك يومًا، وأسجّل شهادة بحقك، أُلهمك نحو المزيد عندما أقول لك:

يعجبني كتابك كثيرا، لجمال أفكاره، وسمو مقاصدك فيه، ولن أنسى أن أصحبه في سهرة ممتعة تحت ضوء القمر، فأحاوره وأقول له:

مرّ زمنٌ طويلٌ، ولم أقتلْ الوقتَ مع كتابٍ تجرفني أوراقه حتى بزوغ الفجرِ، نقتاتُ الحرفَ، يشعرني أنني مازلت على قيد الإعجاب بالكلمةِ.

وأنا عاشقة بين يديه يروي لي النوادر فيقول متباهيا:

مازال هناك حرف من طراز المتنبي والجاحظ!