آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:01 م

الملا أحمد الوحيد.. 60 عاماً في خدمة المنبر الحسيني «فيديو»

جهات الإخبارية حوار: سلمان العيد

صاحب الصوت الرخيم الملا أحمد الوحيد لـ ”جهينة“:

  • فقدت بصري وعمري خمس سنوات وحفظت القرآن الكريم ولم أبلغ العشرين.
  • تتلمذت على يد العديد من الأساتذة والفضل لله أولا وأخيرا.
  • هذه قصتي مع: النجف الأشرف وتاروت والأحساء والكويت.
  • لبست العمامة لفترة قصيرة، وارتديت العقال بقصد التجمّل.
  • الخطابة الحسينية تطوّرت في الوقت الحاضر لتعدد وسائل المعرفة.

عُرف الخطيب الملا أحمد الوحيد، بأنه صاحب الصوت القوي الشجي المؤثر، وفي الوقت نفسه هو الخطيب الوحيد الذي يلبس العقال بصورة لا تخلو من أناقة ودقة أيضا، لكن الذي لا نعرفه، وربما كانت الأسئلة تثار عندنا هي قصة حياة هذا الرجل، الذي فقد بصره وهو في الخامسة من عمره، وعوّضه الله عن ذلك بجملة من السمات قد لا تتوافر للعديد من المبصرين لعل أهمها التدين والثقافة والمعرفة والولاء والخطابة التي امتهنها منذ نعومة أظفاره، يضاف إلى كل ذلك هو الطموح العالي الذي لا حد له.

قمنا بزيارته - وكنّا بضعة أشخاص - في مجلسه المتواضع بحي الدشة بجزيرة تاروت، وهدفنا الوقوف على جانب من قصة هذا الرجل الثمانيني، الذي يحمل روح الشباب، فكان اللقاء أبويا حميميا للغاية، أكد فيه على جملة من المعاني ربما غابت عن البعض في هذا الوقت لعل أبرزها الإيمان بالله وإرجاع الفضل إليه في كل شيء، والبعد عن أي خلافات لا طائل تحتها، فضلا عن جملة من النقاط في حياته نعرضها في السطور التالية:

في البداية نود التعرّف عليكم؟

أنا أحمد بن حسن بن إبراهيم الوحيد، أحد أبناء جزيرة تاروت، كانت ولادتي في العام 1364 شاءت الأقدار الإلهية أن أفقد بصري بسبب داء الجدري يوم كان عمري في الخامسة، ومثلي مثل الذين هم في جيلي يلتحقون بالمعلّم ”ويسمى عند البعض بالكتاب أو الكتاتيب“، فكان معلّمي الأول هو المعلم البارز المرحوم عبد الكريم الطويل، الذي علّمني الصلاة وتلاوة القرآن وحفظه، وكان من زملائي في تلك الفترة عدد كبير أتذكر منهم هلال إحبيل ”وقد أضحى مدرسا“، والخطيب المعروف الملا عبد الرسول البصارة، وعلي السنونة ”أبو كمال“، وعلي بن محمد الحليل وغيرهم، رحم الله من توفى منهم وأطال في عمر من هو على قيد الحياة.

في هذه الفترة إلى أي المستويات وصلت، وكم الفترة الزمنية التي قضيتها مع المرحوم المعلم الطويل؟

بقيت معه فترة زمنية لا بأس بها، حتى وصلت إلى سورة النحل، تلاوة وحفظا، بعدها انتقلت إلى الدراسة عند المعلم الفاضل محمود آل درويش ”يرحمه الله“ وأكملت على يديه القرآن الكريم، فحفظت القرآن كاملا، ولم يكن عمري ليتجاوز ال 13 عاما ولله الحمد والمنّة.

وأين كانت الخطوة التالية في مسيرتكم؟

بعد اجتيازي لمسألة حفظ القرآن وتلاوته بالشكل الصحيح، انتقلت لأتعلم الخطابة عند فضيلة الشيخ على بن إبراهيم آل عبد الخالق ”رحمه الله تعالى“، فكان يرعاني - ومن معي - رعاية الأب لإبنه، بل أكثر من ذلك، وبقيت معه تلميذا إلى أن توفاه الله العزيز القدير يوم السبت 3 شعبان 1377 لأنتقل إلى التلمذة عند الخطيب البارز المعروف الملا خليل أبو زيد ”رحمه الله“، وتعلّمت على يديهما القصيد والشعر العربي والنعي، ولعلّي هنا أتذكر بأننا - خطباء ذلك الجيل - نقرا كتاب شجرة طوبى لمؤلفه الشيخ محمد مهدي الحائري، الذي كان أستاذا لنا فبه مجالس نحفظها عن ظهر قلب، وصرت اقرأ عبر بعض النساء اللائي يقرأن لي الكتب، وسلكت هذا المسلك الجميل، المحفوف بعناية الله جل شأنه.

وكيف بدأت علاقتكم الحميمة مع المنبر، بعد هذه الفترة التحصيلية؟

المنطلق الأول للخطابة لدي بدأت من منزلنا في حي ”باشلاما“، فلدينا مجلس قراءة أسبوعي ”عادة“ ليلة الأربعاء وكان الخطيب حينها الملا صالح بن الشيخ حسن الصفار ”أبو عبد النبي“، وفي ليلة من الليالي المعتادة لم يأت فقمت بواجب القراءة محلّه بعد تردد، لكنّي - ولله الحمد - تجاوزت هذه العقدة، فقرأت قصيدة قوامها 70 بيتا، فكانت المنطلق لدي، وبدأت أقرأ في المجالس الصغيرة هنا وهناك، فقرأت العشرة الأولى من شهر محرم الحرام في مسجد أم البنين في تاروت الذي يشرف عليه الحاج على بن سلمان احبيل ”أبو حسن“، فقرأت لديه لمدة عامين، بعدها وتحديدا في العام 1387 انتقلت للقراءة في الأحساء.

على هذا فالبداية جاءت من تاروت، ولكن الانطلاقة في الأحساء، كيف كانت هذه التجربة، وماذا تقول عنها؟

هذا ما تم بالفعل، فقد قصدت الأحساء وأنا أرغب في الذهاب إلى الكويت، فجلست في البداية سبعة أيام في الأحساء، أقرأ كل ليلة بمقابل عشرة ريالات، فما قضيت تلك الأيام إلا بحوزتي 80 ريالا، وكان يرافقني الأخ عيسى بن فسيل، وفي وقت آخر قصدت الحسينية الحيدرية التي يشرف عليها الحاج على بن طاهر القطان فقال لي بأن موعدا للخطباء يتم يوم الغدير ”الثامن عشر من ذي الحجة“ وحضرت ذلك الاجتماع، كما قصدت الحاج أحمد الميدان وهو رجل كريم من المبرز الذي أخبرني بأن الشيخ داوود الكعبي، الذي يطلق عليه في ذلك الوقت فارس المنبر يقرأ في الجامع بعد الصلاة وطلب منّي أن أقرأ المقدمة له، فالتزمت بالموعد وقرأت المقدمة وما أن هممت بالنزول حتى أخبروني بأن الشيخ لن يأتي فقرأت المجلس كاملا وحزت على رضا المستمعين، وأخبرني الحاج أحمد الميدان بعدد من المجالس التي سوف اقرأها في محرم المقبل، وبقيت بعد ذلك المجلس 13 يوما حصلت فيها على 370 ريالا، ومنذ ذلك العام لم أعد إلى تاروت إلا ولدي مجلسان لمحرم بقيمة 500 ريال لكل مجلس، فقرأت ستة مجالس لشهر محرم وحصلت على 2850 ريالا في العام 1388 واستمر بي الأمر في الأحساء حتى العام الحالي 1441 ولم أتمكن من الذهاب بسبب وباء الكورونا.

وكم مجلس تقرأ في الأحساء، وهل عدلت عن فكرة الذهاب إلى الكويت؟

بعد تلك الفترة، التي كانت بمثابة التجربة، صرت أقرأ عشرة مجالس في كل موسم لشهر محرم الحرام، وبلغت الأجور ولله الحمد عشرة آلاف ريال لكل مجلس، وقصدت الكويت في تلك الفترات، وفي كل سنة أقضى 45 يوما بها وأقرأ في عدة حسينيات منها حسينية الياسين والحسينية العباسية وغيرهما، كما صارت لدي مجالس أخرى في القطيف وتاروت ولله الحمد على كل حال، والفضل كله لله، ثم للنبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام.

ومن كان يعينك في تحضير المجالس والمطالعة؟

لقد قلت لك في البداية كانت بعض النسوة جزاهن الله خيرا، بعد ذلك كان إخواني هلال وجمال وهاني، وصديقي إبراهيم الحمد، وبعض الأصدقاء الأوفياء، وخلال تلك الفترة كنت استأجر بعض الناس للقراءة علي منهم عبد الرسول التاروتي، وعلى المحروس، وعلى غنام، وكان يتقاضون 15 ريالا في الشهر، بواقع ساعتين في اليوم، ولدي - ولله الحمد - مكتبة مسجلة فضلا عن الكتب العديدة المقروءة التي أرجع لها بين وقت وآخر.

ومن كان زميلا لك في هذا الدرب الجميل؟

لقد كان لي عدد من الزملاء في هذا الطريق، بعضهم سبقني من الناحية الزمنية وبعضهم أنا سابق لهم، وهم كثر أبرزهم الملا محمد جمال الخباز، والملا حسين الفضل، والحاج عبد الجليل الماء، والسيد عمران السادة، كما عاصرت عددا من الخطباء مثل الملا خليل أبو زيد، والملا عبد الله الحجاج ”الذي اعتبره أكثر الخطباء حفظا للقصائد والكتب والمعلومات“، والملا عبد الله المبشر، والملا عبد الله الحريري، والملا عبد الرسول البصارة وغيرهم. وأحمد الله على أنني مع كل زملائي في الخطابة على وفاق وأدعو للجميع بالتوفيق والسداد.

نلاحظ صورة في المجلس وقد ارتديت العمامة، فما قصة هذه العمامة التي هي زي من يقصد الحوزة العلمية في الغالب؟

لقد قصدت النجف الأشرف لفترة زمنية ليست طويلة، ودرست بعض الدروس في اللغة والفقه، على يد بعض الفضلاء منهم الشيخ حسين بن الشيخ فرج العمران، والشيخ منصور البيات، والشيخ محسن المعلم، وأما الشيخ عبد الرسول البيابي وأخوه الشيخ محمد علي فقد قرأ كل منهما معي، وهم من أهل الفضل ولا ينكرون الفضل حفظ الله الجميع ورحم الله من انتقل منهم إلى المولى جل شأنه.

هل ثمة أحد من الخطباء تتلمذ على يديكم؟

يوجد عدد كبير من الخطباء قرأوا معي، منهم من واصل المسيرة، ومنهم من ترك، وفق الله الجميع لكل خير.

بناء على كل ذلك، كيف تجد واقع الخطابة الآن بالمقارنة مع وضعها في السابق؟

يوجد ملاحظات أراها سلبية في الوقت الحاضر، والتي قلتها في فاتحة المرحوم الملا خليل أبو زيد، وهي أن بعض الخطباء المعاصرين يصعد المنبر بورقة أو بهاتف محمول، وهذا خطأ من وجهة نظري، إذ المفروض أن يعتمد على فهمه وذاكرته وإنتاجه الفكري. في المقابل إن الوقت الحاضر قد اختلف كثيرا عن الزمن الماضي من ناحية عدد الكتب والمصادر الكثيرة، وكثر المؤلفون وكثر الإنتاج الفكري والعلمي، وظهر لدينا في الساحة خطباء بارزون هم أساتذة منبر بكل معنى الكلمة، وأنا استمع للعديد من الخطباء المعاصرين منهم الشيخ الوائلي الذي هو أستاذ المنبر الحسيني.

وفي هذا الشأن ماذا تنصح كل من يريد أن يمتهن الخطابة؟

كل من يرغب السير في هذه الدرب عليه أن يتصف بالإخلاص للرسالة التي يحملها، فرسالة المنبر مقدسة، هي رسالة محمد وآله الطاهرين، وفي الوقت نفسه عليه أن يسير في هذا الخط، ولا يتحيز إلى فئة دون أخرى، فالكل على حق والكل على خير، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ما أبرز العقبات التي تعانون منها في هذا الطريق؟

كل مهنة تضمن حقا لصاحبها، سوى مهنة المنبر، فتجد الخطيب يقضي عشرين عاما مع أحد أصحاب المجالس، وخلال هذه الفترة لا خلاف لديه معهم، إذا به يفاجأ بالتخلّي عنه دون سبب مقنع.

لا شك أنك خلال هذه المسيرة تعرّضت إلى مواقف عديدة، فماذا تتذكر في هذا الشأن؟

المواقف عديدة وكثيرة بالفعل، تارة تجد أن المستمعين متفاعلون مع الخطيب، وتارة تجدهم غير ذلك، فما علي الخطيب الا التوكل على الله.

ألم تتوجه للكتابة؟

حاولت لكن جانبني التوفيق، ولكن في العام 1420 قمت بعمل لرصد الوفيات من الشخصيات العامة، فأرصد اسم المتوفي وسبب وفاته وعمره ومن قرأ فاتحته، وقد جمعت معلومات عن أكثر من 2000 شخص، كما حاولت أن أكتب تراجم لبعض العلماء مثل المقدس الشيخ عبد الله بن معتوق، ولكن لم يحصل لي التوفيق.

خلال فترة من حياتكم الطيبة قصدتم معهد النور للدراسة، كيف كانت التجربة؟

لقد كانت تجربة قصيرة، بعد أن أنهيت الدراسة، كان يفترض أن أقوم بدور التعليم لكن صدر قرار في العام 1407 بإحالتنا جميعا على التقاعد لزيادة عدد المدرسين.

يلحظ أن الملا أحمد الوحيد، هو الوحيد تقريبا الذي يلبس الغترة والعقال، بخلاف باقي الخطباء، الذين أما أن يلبسوا العمامة أو الغترة بدون عقال؟

في الواقع أنا أرى بأن الخطيب لا بد أن يتجمّل، ويكون حسن المظهر، وأنا - كما تعلم - كفيف ولا ينبغي أن انشغل بتعديل الغترة التي يمكن أن تأتي سليمة ويمكن أن تختلف، فلبست العقال، ولست أنا الوحيد الذي يلبس العقال بل الملا سعيد آل بدر ”وتوفي عام 1435“ يفعل ذلك أيضا.

هل لديك هواية معينة؟

هوايتي هي المطالعة وطلب العلم، ولكن في فترات من حياتي مع المرحوم الملا عبد الله المبشر الذي كنت على صلة كبيرة به، وبيننا صحبة، فكنّا نتبادل الساعات والمسجلات، ولدي الآن ساعات عمرها أكثر من خمسين عاما.

كلمة أخيرة أبو ياسر؟

شكرا لكم ووفقنا الله جميعا لكل خير


التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
حسين
[ تاروت ]: 22 / 5 / 2021م - 8:35 م
جميل اللقاء ولكن قصير ولا يفيه حقه
عتب عليكم، الموسيقى غير لائقه ولا تمت بصله للموضوع
2
عبدالباري
[ تاروت ]: 23 / 5 / 2021م - 12:04 ص
حوار جميل ومفيد
الله يعطيكم العافية
3
الحمدلله
[ القطيف ]: 23 / 5 / 2021م - 12:32 م
الله يجزاكم خير ياجهينة
موضوعكم جميل وشيق والله وانا اقرأ وكل شوق لهذا الملأ صاحب الصوت الجميل واسلوبه الرائع ربي يحفظه ويحفظكم
4
فاضل أحمد عبدالحميد العوض
[ الأحساء_الهفوف ]: 24 / 5 / 2021م - 12:55 ص
اللهم صل على محمد وآل محمد و احفظ و سدد و أيد الخطيب البارع و الشيخ الفاضل الملا أحمد الوحيد و متعنا ببقائه المبارك و أطل في عمره الشريف و مده بالصحة والعافية يارب العالمين.
كم هو جميل َوممتع هذا اللقاء بخطيب نكن له كل الإحترام والتقدير لطيب سيرته و حسن سريرته و جميل أخلاقه و تواضعه مع براعة وسلاسة في الطرح وآل إلقاء و صوت شجي يأسر مستمعيه و يجذبهم إلى التفاعل معه و التأثر به فأنا من جيل واكب هذا الخطيب الرائع منذ الصغر و مازلت اتوق لسماع منبره و أحن لنواعيه الشجيه فشكر الله القائمين على هذا اللقاء فلقد افدتمونا بهذه المعلومات القيمة والمفيدة عن هذا الخطيب الفذ الذي نحتفظ له في ذاكرتنا بالكثير من الذكريات الغالية فشكرا شكرا لكم على هذا الجهد الطيب وهذه المعلومات الثرية عن هذا الشيخ الجليل.