آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:52 ص

كم عيديتك؟ العيديَّة بين الأمسِ واليوم

في الماضي، إذا حصلنا على أكثر من ريالات في يومِ العيد يكون إحساسنا أننا أصبحنا من أصحابِ الثَّروات الكبيرة ورؤوسِ الأموال. كيف لا؟ والرِّيال الواحد يكفي لطعامِ يومٍ كامل؛ يشتري لنا خبزةَ كعكٍ صفراء كبيرة، معجونة بصفارِ البيض ودبس التَّمر، وطاسةَ لوبياء وقارورةَ مشروب غازية، ويبقى منه عدة قروش. وفي هذا العيد رأيتُ أطفالي يغدونَ ويجيئونَ من عند بائعِ القهوة في ناصيةِ الشَّارع، فسألتهم بكم تشترونَ كوبَ القهوة الذي فيه فقط مليمترات من القهوةِ المزعومة؟ فقالوا: بحوالي عشرين ريال!

إنها البركة يا صاحبي التي طارت من أموالنا، ولم نعد نجدها. فما كان يكلِّف القليلَ من المال أصبحَ يكلِّف الكثير. الدَّخل دون بركة ولا يكفي، ومع هذا الكثير منّا من يشرب ويأكل ويصرف في غيرِ محلِّه، حتى ظننا أن المالَ تمطره السَّماءُ دونَ سبب. فمع هذا الشح في الأرزاق والغلاء في الأسعار، مليارات الرِّيالات تُصرف كلَّ عام في المقاهي، وأكثر منها على السَّجائر والتَّبغ والمشروبات الغازيَّة المليئة بالسكَّر!

هي البركة التي ذهبت، فصار الطفل لا ينظر في الرِّيال الواحد ولا العشَرة، ولا يكفي العامل ما كان يكفيه، ولا يستطيع الشَّاب أن يتزوَّج ويبني دارًا وينجب، ويسافر ويدَّخر في آنٍ واحد. فهل في هذا جرس تذكيرٍ لنا بأن الرِّزق والمال يبسطه الله ويَمتحن به عباده، فساعةَ نشكره يبسطه وساعةَ نَكفر بنعمهِ يقتّر ويضيِّق علينا فيه؟ فها هي الأسعار تتضخم وتزداد، وتأكل المدَّخرات!

ثمَّ إذا بقي عندنا شيء من البركة، فإنَّ في كثيرٍ من بقاعِ العالم من يعيش اليومَ على مبالغَ زهيدة، بالكاد تكفيه للطعامِ والشَّراب والمسكن، فكيف نسأل الطفلَ هناك كم حصلَ على عيدية؟!

على كلِّ حال، مهما كان من سببٍ لذَهاب البركة - التي أعتقد أننا نحنُ من ضيَّعناها وطيَّرناها - نطلب من الله أن يحفظَ ما بقيَ منها، وأن يعيدَ ما ذهب، فتعود كلُّ أرضٍ تنبت ما يكفي من زرع، وكل عين ماءٍ تفيض بما يَروي الزَّرع ويُدِرَّ الضرع، حتى يعمَّ الرَّخاء كلَّ أرضٍ يسكنها إنسان.

كل عيديّة وأنتم وأطفالكم بخير. وكما تقول النَّصيحة القديمة: أَوصوهم أن لا يضيِّعوها في ”خرّي مرّي“.

أفكار هذه المقالة تحت عنوان ”بيت جدِّي“، شهر رمضان المبارك 1442 هجرية.
مستشار أعلى هندسة بترول