آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

التلاعب بالعقول

محمد أحمد التاروتي *

التلاعب بالعقول طريقة مألوفة، للسيطرة على العقل الجمعي، فتوجيه الرأي العام تجاه بعض القضايا، يتطلب الاستحواذ على التفكير العام، والعمل على تفكيك الكثير من المفاهيم، بما ينسجم مع الغايات المرسومة والأهداف المنشودة، خصوصا وان تماسك العقل الجمعي يقف حائلا امام الكثير من المخططات والمشاريع، مما يستدعي إيجاد الوسائل القادرة على احداث اضطرابات حقيقية لدى الرأي العام، الامر الذي يساعد في الاستحواذ على القواعد الشعبية، والخروج من مأزق المعارضة الشديدة.

السيطرة على العقل الجمعي عملية تراكمية، فالطريق نحو الاستحواذ على التفكير الاجتماعي، يتطلب الكثير من الخطوات الأساسية، فبعضها يستغرق بعض الزمن للحصول على النتائج الملموسة، والبعض الاخر يستدعي الاستعانة بالعقول الاحترافية، لقراءة التوجهات الفكرية لدى القواعد الشعبية، من اجل رسم مسارات خاصة تتناقض مع مختلف التيارات الاجتماعية، خصوصا وان الإخفاق في وضع التصورات المنافسة يخلف تداعيات سلبية، وأحيانا يقود لصعوبة الوصول الى الغايات المرسومة، الامر الذي يفرض وضع منهجية واضحة المعالم، تقود الى السيطرة على العقل الجمعي، وعدم التهاون او التراخي، في سبيل الاستحواذ على الرأي العام الاجتماعي.

القدرة على توجيه الرأي العام الاجتماعي، تتطلب قدرات وإمكانيات ليست متاحة للجميع، باعتبارها من المهام الكبرى، خصوصا وان التفكير الاجتماعي تتداخل فيه الكثير من التيارات، وتوجد فيه العديد من التجاذبات، مما يجعل عملية اختراق تلك التيارات الاجتماعية، مهمة صعبة للغاية، وبالتالي إيجاد القنوات المناسبة للتعاطي مع الجوانب القادرة، على استقطاب تلك التيارات، وخلق الأجواء المناسبة للسيطرة عليها، مما يقود في نهاية المطاف لتوجيهها بشكل مباشر في اتجاهات محددة، بما يصب في خدمة الأهداف المرسومة.

إمكانية اختراق العقول، وزرع قناعات خاصة، تنسجم مع المشاريع المحددة، تنطلق في الغالب من مقاربة مع اهتمامات الرأي العام الاجتماعي، فالمواجهة المباشرة والاصصدام مع التوجهات الشعبية، تقود الى نشوب صراعات، مما يستدعي المهادنة في المرحلة الأولى، بهدف التقرب مع تلك التيارات، ومحاولة قراءة نقاط الضعف، والتعرف مكامن القوة، من اجل التركيز على نقاط الضعف لاحداث اختراقات حقيقية، في جدار ”الممانعة“ الاجتماعية، بحيث يفضي للسيطرة على العقل الجمعي السائد، وبالتالي إمكانية التحرك بدون ضغوط، او السير بدون وجل من التعرض للمضايقة، او الرفض من لدن القاعدة الاجتماعية الواسعة.

الأهداف الكبرى تشكل حافزا أساسيا، في التحرك باتجاه التلاعب بالعقول، ”على قدر اهل العزم تأتي العزائم“، فاذا كانت المشاريع المرسومة ضخمة، فانها تعمل على تسخير كافة الإمكانيات، وتوفير جميع القدرات، في سبيل تحقيق تلك المشاريع على ارض الواقع، الامر الذي يفرض حالة ”الطوارئ“ القصوى، لدى الجهات المنفذة لتلك المشاريع، بمعنى اخر، فان المشاريع الكبرى تمثل محركا أساسيا، في اتجاه السيطرة على العقل الجمعي، من اجل توجيه القواعد الشعبية باتجاه تلك المشاريع، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، فتارة تكون القواعد الشعبية على دراية تامة بغايات تلك التحركات، وتارة أخرى تكون القواعد الشعبية ليست في وارد تلك المخططات على الأطلاق، فهي تساق بطريقة التنويم المغناطيسي، وبالتالي فان التلاعب بالعقول لعبة تحمل في طياتها الكثير من الأهداف، بعضها ذات نوايا حسنة، والبعض الاخر تتحرك لمشاريع تخريبية، ذات اثر سلبي على القاعدة الشعبية الاجتماعية.

امتلاك الوعي الاجتماعي عنصر أساسي، في الوقوف على اهداف التلاعب بالعقول، فالمجتمع الذي يقف على أرضية صلبة للغاية، بإمكانه المساهمة الفاعلة في المشاريع التنويرية، من خلال التفاعل السريع معها، بما يسهم في تسريع عملية النهوض الشاملة، فيما تساق المجتمعات غير الواعية الى المسالخ طواعية دون إرادة مسبقة، جراء السماح للفئات التخريبية للتلاعب بعقولها، دون ابداء معارضة، او محاولة التوقف لفترة، لاعادة برمجة التفكير الجمعي، من اجل الخروج من المذبحة الجماعية، التي تساق اليها دون وعي كامل.

التلاعب بالعقول مهمة ليست سهلة، ولكنها قائمة على الدوام، نظرا لوجود مخططات متعددة تستهدف السيطرة، على التفكير الجمعي في المجتمعات، مما يحفز على تحريك أصحاب المشاريع نحو توجيه الاهتمام الى العقول، والعمل على توظيف الإمكانيات في سبيل تفريغ القناعات السابقة، وزرع أفكار بديلة تصب في خدمة الأهداف المرسومة.

كاتب صحفي