آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الدّنيا خيّ - سلسلة خواطر متقاعد

المهندس هلال حسن الوحيد *

إذا وجدتم من يعبر معكم سنواتِ الحياة ويحفظ ”الخبز والملح“، فهو ذلك الصَّديق في حكايةِ الحياة.

يحكى أن رجلًا بغداديًّا دخل مطعمًا في الشَّام وطلب رغيفَ خبز، أكل نصفه وتركَ النّصفَ الآخر وخرج. يفعل ذلك عدّة أيام، فسأله رجلٌ شاميّ: لماذا تأكل نصفَ الرّغيف وتترك نصفه في كلِّ يوم؟ قال البغدادي: أبحث عن رجلٍ يأكله ويحفظ ”الخبز والملح“. قال الشاميّ: جرّبني? أنا من تبحث عنه.

قبلَ البغداديّ واتّفقا على أن يتناولَا العشاءَ معًا في بيت الشاميّ، الذي يعيش في بيته مع أمّه وابنة عمّه الّتي يحبها وعلى وشك الزَّواج بها. طرق البغداديّ البّاب، فتحته ابنة عمّ الشاميّ فلما رآها افتتن بها وبعد العشاء قال للشاميّ: أريد أن استحلفكَ بالخبز والملح أن تزوّجني من ابنةِ عمّك، قال الشاميّ: هي لك.

سافر البغداديّ مع عروسه ليعيشا في بغداد. أما الشاميّ فدارت عليه الأيّام وافتقر، فقرر أن يسافرَ الى صديقه في بغداد. حين وصل بغداد رأى صديقه أصبحَ من الأغنياء ولديه قصر منيف فتوجه لقصره وطلب من الخادمِ مقابلة صديقه. عاد الخادم يحمل كيسًا من الذّهب وأعطاه إياه فقال له الشاميّ: أنا أردتُ مقابلة صديقي وهو لم يرد أن يراني؟ ثم رمى كيس الذّهب وانصرف.

انتهت نقود الشاميّ ولم يستطع العودة للشّام، وأصبح ينام في المساجد فأتاه رجلٌ كبير وسأله عن حاله فقال: إني لا أجد قوتَ يومي، فقال له الرجل: لم لا تعمل في التجارة؟ وبدأ الرّجل يعلمه التّجارة وأسرارها حتى أصبح من كبار التّجار وبنى قصرًا لم تشهد بغدادُ مثله.

بعد مدّة جاءت امرأةٌ كبيرة وطلبت من الشاميّ أن تعمل على خدمته في القصر مقابل معيشتها فوافق وكانت له أمًّا حقيقة، ثم قالت له: أن هناك فتاة فقيرة تريد العملَ معي في القصر فقبل. بدأت المرأة تزيّن الفتاةَ وتلبّسها الثيابَ الجميلة إلى أن تعلّق بها الشاميّ وطلب الزَّواج منها. سهَّلت له المرأة الكبيرة الأمور وحدّد موعدَ الزّفاف ودعا وجهاءَ بغداد، وتفاجأ لحضور الرّجل الشاميّ دونَ دعوة.

لما رأى الرجلَ الشاميّ عاتبه وقال له: أتيتُ لزيارتك فبعثت خادمكَ بكيسِ الذّهب وكأني متسوّل، والآن ماذا تريد؟ فقال له الشاميّ: اسمع ثم احكم! إني نظرت من شباك القصر فوجدت حالكَ التي أتيتَ بها فلم أشأ أن تعرف أني رأيتك فقيرًا في حالةٍ يرثى لها، فأرسلتُ الخادم بالنقود. أما ذلك الرّجل الذي علَّمك التّجارة فهو أبي، والمرأة التي جاءت لخدمتك في بيتك هي أميّ وأنا اليوم أتيتُ لأحضر عرس أختي!

مستشار أعلى هندسة بترول