آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 2:36 م

كسب العداوة

محمد أحمد التاروتي *

يمتلك البعض مهارة فائقة في كسب العداوة، من خلال منهجية خاصة في الانتقال من التحالف الى الخصوم، سواء نتيجة الضغوط الداخلية، او بسبب المصالح الشخصية، فهذه الفئة لا تتورع في اظهار المواقف الاستفزازية، من اجل إعطاء مبررات واقعية لبدء الخصومة، والقطيعة مع الأطراف الاخر.

انتهاء شهر ”العسل“ يمثل بداية التحول نحو العداوة، نظرا لانقضاء الأسباب الكامنة وراء إبقاء حبل الود، واستمرارية العلاقة الحميمة، مما يستدعي التحرك باتجاه اثارة غضب الأطراف الأخرى، من خلال اقدام على بعض الممارسات ”المحظورة“، الامر الذي يمهد الطريق لاطلاق الأصوات الرافضة، والبدء في اتخاذ الإجراءات العقابية، وبالتالي الدخول في ازمة جديدة شعارها ”العداء المستمر“.

انتهاج سياسة كسب العداوة مرتبط بالتكوين النفسي، وكذلك بمجموعة المصالح الخاصة، وكذلك بنوعية المكاسب المطلوبة، لاسيما وان التحركات العدائية مرتبطة بمجموعة من الأسباب والغايات، فكل طرف يسعى لتحقيق تلك المكاسب من خلال الاستفزاز، واثارة الصديق ”القديم“، سواء نتيجة معرفة نقاط الضعف، والعمل على استغلالها، او بسبب اكتشاف بعض ”الكنوز“ التي يمتلكها أصدقاء الامس، مما يدفع لمحاولة الأنقضاض عليهم للسيطرة، والدخول في صراع للاستحواذ على تلك الكنوز ”الخاصة“، بمعنى اخر، فان الدخول في صراع النفوذ يمثل عنصرا أساسيا، في حالة الانقلاب المفاجئ، وغير المتوقع على الحليف السابق، فالعداوة تمثل مبررا للانقضاض على الاخر، وسلبه ما يمتلكه سواء الممتلكات المادية او الحقوق المعنوية، حيث تستخدم الأساليب مباشرة او غير مباشرة.

الحصول الغايات المرسومة من العداوات ليست مضمونة على الاطلاق، نظرا لتحرك جميع الأطراف لاتخاذ الإجراءات المضادة، مما يعقد الأوضاع ويجعل عملية حصد نتائج الخصومة الجديدة، مخاطرة محفوفة بالتحديات، لاسيما وان العداوة تدفع باتخاذ الوسائل ”الشيطانية“ في الدفاع عن النفس، مما يعني اغلاق جميع الثغرات، وعدم السماح باستغلال نقاط الضعف، الامر الذي يضع الأهداف الحقيقية لاثارة العداوة على ”كف عفريت“، نظرا لوجود صراع حقيقي على ارض الواقع، الامر الذي يدفع باتجاه تفويت الفرصة لاقتناص النتائج المرجوة.

الشعور بالقوة يحدث اثرا في التحولات المفاجئة في مسيرة الصداقة، فالبعض بمجرد الحصول على مراكز اجتماعية، او اكتساب بعض الثروة، يعمد لانتزاع ثوبه القديم، والابتعاد عن الأصدقاء، ومحاولة اثارة المشاكل لتبرير المواقف الجديدة، خصوصا وان العامل النفسي يولد حالة من الغرور الذاتي، باتجاه الانقلاب على الوضع القائم، بهدف البدء في حياة جديدة ومرحلة مغايرة تماما، الامر الذي يتمثل في ”الكفر“ بجميع الصداقات القديمة، ومحاولة الانقضاض على الاخر، سواء عبر اظهار مواقف صادمة، او التحرك باتجاه الاضرار الحلفاء السابقين، وبالتالي فان الإحساس بالقوة يترجم على اشكال متعددة، بعضها ذات علاقة بالوضع الاجتماعي، والاخر بالمصالح الخاصة، بحيث تتجلى في عمليات إعادة الحسابات مع الأصدقاء القدماء، ”بئسَ الصديقُ صَديقٌ يَربَحُ على صَديقِهِ“.

كسب العداوة يكشف بعض الجوانب الخفية لدى البعض، فالدخول في الصراعات والخصومات ناجم أحيانا، من النظرة السطحية لتقييم العلاقات الإنسانية، خصوصا وان توسيع قاعدة الأصدقاء عنصر قوة على المدى البعيد، خصوصا في ظل التحولات الحياتية بالمسيرة الإنسانية، الامر الذي يستدعي وضع المتغيرات المفاجئة في الاعتبار، انطلاقا من اختلاف المصالح البشرية، فالعداوة سلاح غير فعال في كثير من الأحيان، نظرا للاثار المترتبة على هذه السلوكيات على الواقع الاجتماعي، مما يفرض انتهاج سياسة ”كسب الصداقة“ على حساب فقدان الصديق، ”ألف صديقٍ قليلٌ، وعدوٌّ واحدٌ كثيرٌ“، ”الرَّجلُ بلا صديقٍ كالشمال بلا يمينٍ“.

تبقى سياسة كسب العداوة سلاح يستخدم للأغراض الخاصة، بهدف تحقيق مكاسب انية وأحيانا مستقبلية، خصوصا وان عملية تقييم الربح والخسارة احدى المحركات، وراء انتهاج تفعيل الخصومة، فكلما رجحت كفة الأرباح كلما تسارعت عملية سياسة ”كسب العداوة“، فاصحاب هذه المنهجية لا يتورعون في قطع اليد الممتدة لهم بالخير، في سبيل تحقيق بعض الغايات الدنيوية، انطلاقا من قناعة راسخة تتمثل ”المصلحة أولا“.

كاتب صحفي