آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 5:59 م

وداعا يا عباس البطل

عبد العظيم شلي

ما أصعب أن تستفتح يومك بخبر مؤلم، وصادم. بخبر لا تريد أن تصدقه، ولا تريد أن تستوعبه، تغالط نفسك والعينان، تعيد قراءة العنوان المفاجئ تعيده بزغللة نظر وارتباك تلاوة خبر، ”المهندس عباس الشماسي في ذمة الله“، يا الله يا رحمن يا رحيم، ارحمنا على فقد الأحبة.

تتبدل مشاعر وتتوه أحاسيس، في لجة الآهات، نغرق ألما وحسرة.. لحظات مرة عسيرة، موجعة، تعزيات تتوالى ومرثيات، تستفيض حزنا واستذكار مناقب، تختلط الكلمات وتتوالى الصور والذكريات، مشحونة بألم وحسرة وتفويض الأمر لله سبحانه وتعالى.

نؤمن بأن الموت حق، نؤمن بأن الدوام لله، ونسلم بذلك تسليما، لكننا لانملك وقف دموع ألم الفراق..

على شخص ملك القلوب بلطفه وحسن سجاياه، يا أبا فاضل، رحلت وتركت في الحلق غصة، حسرات من أسى.

أي معزة يكنها لك من عرفك واقترب منك وتعامل معك وجها لوجه، أي مساحة حب تملكها، في قلوب تقدرك وتعرف معدنك وقيمتك، لك منازل بهية رفيعة جليلة في نفوس الكثير والكثير، صغار وكبار، نساء ورجال، ولكل من شاركك وشاركتهم في العمل الاجتماعي.

يا واهب البسمة وراسم الأمل، ويا موزع الخدمة باسم الجميع، يا واهبا العمر تضحية لأرض القطيف، كانت أنفاسك وطنية لآخر لحظة من حياتك. رحلت وما رحلت انجازاتك خير شاهد وبرهان.. أبمثلك يعوض؟ ياذا العقل المتقد المتفتح، والروح السمحة، والخلق الدمث، والقيادي المتميز، يا صاحب الشخصية الكاريزمية

المؤثرة قولا وعملا، أياديك بيضاء وقلبك أبيض من الثلج، طيبتك لا متناهية، وبسمتك دائمة حتى في أحلك الظروف، مرسومة على محياك، ما أظن يوم أتيت عبوسا أو مكفهرا، أو شاكيا أو متبرما، منطقك اقناع وفعل وعمل.

من خبرك وتعامل معك، من عايشك فلديه ما يقوله في حقك، ولدي ما أقوله استذكارا لقيمك الوضاءة وعرفانا لمكانتك النيرة ووفاء للعشرة.

عرفتك يا مهندس عباس عن قرب وبيننا لقاءات جماعية، واجتماعات مفتوحة وخاصة، وفردية واتصالات، كلها من اجل تحقيق عمل اجتماعي.

معرفتي بك ليست سلاما عابرا أو تحية من بعيد، بل برسم خطط من أجل نادي الفنون بالقطيف التابع للجنة الأهلية بالقطيف، كنت رئيسها وأدرت الدفة بكفاءة، وبعقلانية متزنة، كم ضمنا اجتماع لوضع آلية ما وتسيير عمل جديد وقادم، حين دارت الدوائر وأخلي سبيل مكان نادي الفنون من مبنى مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف، نعم أخرجنا عنوة، وكان مبنى اللجنة تحت ادارتك هو الحاضن والمرحب، كنت المتابع على سير النقل، ارشيف ضخم لجماعات التشكيل والتصوير والخط والمسرح، أغراض وعدد وأدوات ولوحات نتاج 22 عاما من الانجاز، وزعت في كل زوايا وردهات مبنى اللجنة حتى فاض المكان وغص بما حوى، وحدث موقف مؤسف من بعثرة غير مقصودة، بضعة لوحات القيت خارج المبنى، فقام الضجيج وعلا الصراخ، بحكمتك وأنت البعيد عالجت الأمر بحكمة، ولا أبخس هنا حق رئيس نادي الفنون أحمد الجشي، في لملمة البعثرة ومعالجة الأمر بروية.

أي موقف نبيل تصديت له يا أبا فاضل، أجريت اتصالات صوتية بالمؤثرين في عجلة جماعة الفنون، تعتذر لهم وتجبر بخواطرهم موضحا الذي حدث، وقلت لنا بأن الأمر كان خارج عن الارادة، كل شخص حادثته وأوليته عناية خاصة، وتبشره بشيء مفرح قادم، اتصالاتك التطمينية عبرت آلاف الأميال وطرقت مسامعنا، قادمة من امريكا حيث كنت وقتها هناك في مهمة وظرف عائلي.

أي جمال تحمله نفسك! وحين اتيت من السفر وبعد شهور ومداولات تصديت لاستئجار صالة خاصة لنادي الفنون في شارع القدس، دفعت بكل ما أُوتيت من قوة لترجمة الاجتماعات لواقع ملموس، لشيء محسوس، وبعد عام كامل من التجهيز تم افتتاح الصالة الجديدة، وفتح معرض وحيد لحد الآن وهو المعرض 22 لجماعة التصوير الضوئي بالقطيف، وتشرفت يا أبا فاضل بافتتاح المعرض وقص الشريط، فكانت ليلة عرس بالمكان الجديد، آمال معلقة خطط موضوعة لتشغيل الصالة لكن أوقفها هبوط الجائحة.

كنا سوف نستعيد ألقنا يوم بعد يوم بانتظار الفسح لاقامة الأنشطة، انتظار طال أمده لعام ونصف العام، كنا ولازلنا نتهيأ للعودة بين لحظة وأخرى إلا والخبر الصادم يصفعنا برحيل من كانت يداه بيضاء في ايجاد المقر الجديد.

إيه يا دنيا، وآه منك يا موت يا مفرق الأحباب، ومعذب الأعزاء.

أبا فاضل ارقد بسلام، كنت البطل المقدام، من رئاسة جمعية القطيف مرورا بادارة اللجنة الأهلية وصولا للمجلس البلدي.

على مدى سنوات عديدة، سيرتك عطرة كل سيذكرها ويخلدها حديثا وكتابة. وعن نفسي أعتز حين كرمتني بدرع باسم اللجنة، عن فعل اعتبره واجب علي، حينها فاضت دموعي فرحا من حسن اشادتك وكلماتك الأخوية السامقة، من يعوضنا بمثل اريحيتك ولطفك ونبلك، كم ادوشتك باتصالاتي اللحوحة وترد علي كتابة عبر الواتس، ”بعد ما اخلص اجتماعنا في مجلس الشورى سوف اتصل بك“، وينفض المجلس وتجيبني بتطمينات وبُعد نظر.

أي نظر وحسن تفكير خلاّق فيما قلته وكتبته من سرد مقالاتك العديدة، هي مرجع لأفقك الواسع، وفكرك النير، كتاباتك ليست ديباجة كلام واستعراض قلم، انما تحمل في طياتها مشاريع طموحة، وخطط استراتيجية، اتمنى ان تجمع وتطبع في كتاب، لنعرف ماكنت تصبوا اليه من عمل خيري نافع للجميع وللاجيال القادمة.

كيف لا نبيك وأنت جندت عمرك تفانيا في خدمة المجتمع. صباح الحزن يا قطيف صباح الألم والحسرة، رحل عنا شخص متيم في حبك ياقطيف.

نعزي من؟ نعزي كل عائلتك، أم فاضل، أبنائك أخوانك وأخواتك، وكل عائلة الشماسي والسنان وبقية الأقارب والأرحام، لأبي فاضل المحبوب الذي ملك القلوب المغفرة والرضوان، ولكم الصبر والسلوان والعزاء عزاء الجميع.

لحظة دمع فاضت بي حينما استرجعت تسجيلاتك الصوتية والفيديوهات التي كانت بيننا. أنفاس وجع توخز الضلوع، وآهات مكبوتة.. صورتك محفورة

في القلب ماحييت. اللهم الهمنا الصبر على رحيلك يا عباس البطل، كنت بطلا طوال حياتك.