آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

الشماسي.. الرائد الملهم

محمد أبو زيد

لا اتذكر على وجه التحديد متى تعرفت إلى الفقيد الكبير المهندس الحاج عباس الشماسي ”رحمه الله تعالى“ لان حضوره الفاعل في ساحات العمل الديني والاجتماعي والثقافي كان شديد الوضوح والبروز.

كنت أشاهده في معظم المناسبات والفعاليات التي احضرها وأشارك فيها، فلا يكاد يغيب أو يفقد في مناسبة، ولا يتوانى عن العطاء متى ما وجد أن لديه ما ينفقه ويقدمه من جهد ورأي وفكر وعطاء ومشورة.

لقد كان ”رحمه الله“ بحق رائداً من الرواد الكبار، ترك بصمات واضحة في ميادين العمل المهمة على مستوى محافظة القطيف بشكلٍ عام دون أن يقيد نفسه بجهة او يجيرها لمنطقة أو فئة، ومضى قبل ان تقام له حفلة وداع أو تكريم تليق بعطائه.

مضى وما زال قلبه ينبض بالحب لقطيفه الذي ذاب في حبه، ولمجتمعه الذي بادله حباً بحب، ومازال عقله ممتلئاً بالكثير من الأفكار التي كان يسابق الزمن لابرازها وتفعيلها.

تعرفت إليه أولا من خلال ديوانية القطيف التي كان يستضيف بعض جلساتها في بيته القديم في الناصرة في السحور الرمضاني مع مجموعة من زملائه وأخوانه اعضاء الديوانية.

كانت هذه الديوانية في طليعة منتديات العمل الاجتماعي الجاد في القطيف، إن من جهة المواضيع والمبادرات التي تتبناها، أو الأساليب الإدارية والمنهجية التي تدار بها لقاءاتها وجلساتها، أو من جهة النخب والكفاءات التي يتم استقطابها كمتحدثين ومشاركين ومستشارين.

والتجربة الأخرى التي عشتها معه كانت في ”حملة الإيمان“ حيث كان من الرعيل الأول المؤسس، وبفضل وعي هذه النخبة تأسست أول حملة حج نموذجية على مستوى القطيف عملت على تقديم خدمات متطورة للحجاج تدار بأساليب ومناهج علمية ومهنية خرجت عن الإطار التقليدي القائم، ومثلت فيما بعد تجربة ملهمة للعاملين في هذا المجال الذين قاموا بتأسيس حملات مماثلة سارت على ذات الطريق والمنهج.

تبوء فقيدنا الكبير دوراً رائداً في تأسيس هذه الحملة وكان ضمن فريق العمل الذي وضع لبنات هذا البناء، وساهم بما يمتلكه من معرفة وكفاية علمية وخبرات عملية متراكمة في وضع انظمتها الإدارية ورسم سياستها وبرامجها ولوائحها الداخلية، كما كان عضوا فاعلاً في مجلس الإدارة في عدة دورات، وتولى بالاضافة إلى ذلك مسؤلية عدد من اللجان أبرزها لجنة العلاقات العامة.

وبحكم موقعه في هذه اللجنة فقد كانت بداية علاقتي بالحملة من خلاله، ولا زلت أتذكر اتصاله ذات ضحى في مكتبي أثناء عملي بالمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، عارضاً رغبة الحملة انضمامي ضمن لجنة الثقافة والارشاد، وقد كان لي شرف العمل ضمن صفوف كوادر هذه الحملة المباركة.

عوامل عدة ساهمت في نجاح هذه الشخصية، من أبرزها شخصيته الاجتماعية التي رافقته في مختلف مراحل حياته، كما كان لتخصصه العلمي ومسيرته العملية دورها في صقل شخصيته واكسابه مهارات إدارية وقيادية انعكست على اسلوبه في العمل وجديته وانهماكه في أداء المسؤليات والأدوار التي تسند إليه وقربه من الجميع وإنكاره لذاته.

كان الفقيد يعيش البساطه والرقي في علاقاته مع الأقارب والأرحام والأصدقاء والزملاء الذين كانوا يعملون معه دون ان يؤثر ذلك على أسلوبه الجاد وانضباطه وحزمه ودون تفريط في القيم والمبادئ التي آمن بها وعمل من أجلها.

كان قريباً من الجميع، ينصت للرأي الآخر ويحترمه مهما اختلف معه، أخفضهم صوتاً في النقاشات، واعلاهم همة ونشاطاً في العمل والمبادرات، وأسرعهم في البذل والعطاء، وهذا ما يبين عظم الخسارة التي مُني بها المجتمع في فقده، والألم الذي يعتصر قلوب عارفيه وأصدقائه لغيابه.

لم تكن نجاحات الفقيد مقتصرة على تأسيس مشاريع ومبادرات تركت آثارها واضحة على مسيرة القطيف التنموية في مجالات مختلفة، وإنما تعدى ذلك إلى تفوقه في بناء جسور التواصل مع كافة أطياف المجتمع داخل القطيف وخارجها.

إضافة إلى حضوره الواسع في قلوب البسطاء من الناس وتفاعله مع قضاياهم وحرصهم على مشاركتهم في مناسباتهم المختلفة، واحترامه العميق لمشاعرهم، وحمله لهمومهم، وهو ما أعطى لتشييعه كل هذا الوهج وأضفى عليه كل هذا الوجع والألم.

إنا لله وإنا إليه راجعون