آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:29 ص

ثقافة الصوت

محمد أحمد التاروتي *

الصوت المرتفع وسيلة البعض لمحاولة الانتصار لرأيه، واسكات الاخر، نظرا لافتقاره للاليات المناسبة للاقناع، مما يدفعه لمحاولة تعويض النقص بأسلوب اخر، لاسيما وان الصوت المرتفع يترك أصداء مختلفة لدى البيئة الاجتماعية، مما يحدث حالة من الارتياح الداخلي والإحساس بالنصر ”الزائف“ لدى أصحابه، الامر الذي يحفز على انتهاج هذه الطريقة في التعبير عن ارائه، ومناكفة الاخرين في مختلف القضايا.

الصوت ليس قادرا على بناء جدار متماسك من الوعي الاجتماعي، فهذه الطريقة غير قادرة على الصمود لفترة طويلة، خصوصا وان ارتدادات الصوت محدودة، وليست قادرة على تجاوز المسافة المحددة، الامر الذي يفقدها القوة على البقاء في وجه الاليات الأخرى، وبالتالي فان التعويل على الصوت في تحقيق الانتصار، بمثابة الهروب من الحقيقية، والالتجاء الى السراب، وبالتالي فان محاولة تكريس الصوت في البيئة الاجتماعية عملية محفوفة بالمخاطر، نظرا لتداعياتها السلبية على العقل الجمعي، فضلا عن التأثير المحدود على العقل الفردي.

الصوت وسيلة للتعبير عن الآراء، ولكنه ليس قادرا على صنع ثقافة اجتماعية راسخة، فالبعض يخلط بين الوسيلة والهدف، مما يجعله يعتمد على الظاهرة الصوتية، والابتعاد عن المنهجية الفكرية في تكريس الآراء الخاصة، الامر الذي يفتح الطريق امام الجهات المنافسة، لاحداث اختراقات حقيقية في الوعي الاجتماعي، نظرا لقدرتها على رزع بعض الأفكار لدى بعض الفئات الاجتماعية، وبالتالي الخروج من الساحة الاجتماعية، وعدم القدرة على العودة لمقارعة الأطراف المنافسة، نظرا لاختلاف الاليات المتبعة في الترويج عن الآراء، واختلاف المنهجية الخاصة، باكتساب الأنصار على الصعيد الاجتماعي.

محاولة ركوب موجة الصوت وسيلة ”العاجز“، فالصوت ليس قادرا على بث مفردات ثقافية، باستثناء احداث الضجيج واثارة العواطف، لدى بعض الفئات غير الواعية، خصوصا وان الوقوف امام حركة التغيير الاجتماعي بسلاح الصوت، ينم عن قصور في النظر وعدم استيعاب الدروس، في اتخاذ الوسائل المناسبة لمواجهة التحديات على ارض الواقع، بمعنى اخر، فان التحركات لتكريس ظاهرة الصوت مقابل منهجية الفكر الواعي، نتائجها محسومة سلفا لدى أصحاب الوعي، والفئات الفاعلة في المجتمع، نظرا لاختلاف الإمكانيات وتباين القدرة على الاقناع، مما يجعل هامش المناورة يصب في مصلحة أصحاب الفكر الواعي، والقائم على مخاطبة العقل، بعيدا عن دغدغة المشاعر العاطفية.

تسجيل بعض النقاط لدى انصار ”الصوت“، على حساب فريق ”الفكر الواعي“، ليس مدعاة للتباهي واعلان النصر، فالجولات المتعددة قادرة على إزالة الحجب عن العيون، مما يمهد الطريق امام فريق ”الفكر الواعي“، لتوجيه ضربات قوية لانصار ”الصوت“، من خلال الاستفادة من الثغرات الكبيرة، والعمل على استغلالها بطريقة ذكية، من اجل سحب البساط من تحت اقدام انصار ”الصوت“، لاسيما وان المعركة القائمة تفرض البحث عن الاليات المناسبة، لتكريس القناعات في البيئة الاجتماعية، فيما انصار ”الصوت“ يحاولون احداث الفوضى، والتشويش على البيئة الاجتماعية، بطريقة غير مدروسة وأحيانا فوضوية، مما يعطي انطباعات متباينة تجاه حقيقية الأهداف الموضوعة، وبالتالي عدم القدرة على احداث اختراقات كبيرة، في جدار الوعي الاجتماعي، مما يتسبب في انتكاسة كبرى تمتد لفترة طويلة.

الصوت إداة مهمة في نشر الأفكار، ومحاولة الاستحواذ على الساحة الاجتماعية، بيد ان الصوت ليس قادرا لوحده على خلق بيئة الظروف المناسبة للسيطرة على المجتمع، فهناك فرقا بين الصوت والخطاب الممزوج بالفكر، فالصراخ يكشف عن فوضوية، ويخلق حالة من التذمر لدى المتلقي، مما يستدعي مزج الصوت المعتدل مع الفكر المتزن، بهدف إيجاد معادلة قادرة على تحريك الوعي الاجتماعي بالاتجاه الصائب، خصوصا وان الصراع على النفوذ يفرض اعتماد الاليات والمنهجيات المناسبة للتأثير على العقل الجمعي، ”إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم“.

كاتب صحفي