آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

النظَّارة - سلسلة خواطر في أوانِها

بعدما بلغتُ الستِّين عامًا وما فوقها بلَّغكم الله إيَّاها، ولمن بلغها الرَّجاء من الله أن يعطيه ستِّين عامًا أخرى في رخاءٍ وعافية، بدأتْ كثير من الوظائفِ الجسديَّة بحاجة إلى صيانةٍ وشدّ دوريَّة - بما فيها النَّظر - الذي أصبح لزامًا فحصه باستمرار.

في آخر سنتين غفلت عن فحص النَّظارة حتى اعتدت رؤية الكثير من الأشياء دون وضوح ودون التَّفاصيل الجميلة والغير جميلة، ثم في هذا الاسبوع قرَّرت تغييرها، وفعلًا ها أنا ذا أرتدي نظَّارة جديدة. وكم كان سارًّا التغيير الذي حصل في رؤيتي لكلِّ شيء تقريبًا. بدت الدَّنيا والشَّوارع والأرقامُ والحروف واضحة، وأجمل ما في المناظر المستجدَّة رؤية وجوه حفيداتي الصَّغيرات اللَّواتي بدينَ أكثر صفاءً ونقاوة.

نظَّارة من نوعٍ آخر أنا - وكلّ واحد منكم - يجب علينا جميعًا فحصها واستبدالها بين الفينةِ والأخرى لكي نرى بعضنا بوضوح. نظَّارة الفكر، أجزم أنه عندما نغيِّرها لن يعود أحدنا يرى الآخر مختلفًا عنه ومنافسًا له على مشروعِ الحياة، بل سوف يراه نقيًّا أبيضًا يشاركه ذات الرَّغبات والأماني. تلك النَّظارات لا ترى فقط العيوب والثّقوب والفوارقَ والاختلافات، بل ترى الجمال في النَّاس كلهم ”فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدِّين وإما نظيرٌ لك في الخلق“.

دعنا من العالمِ الأرحب فلننظر ما حولنا؛ هي تجعلنا نرى في الشَّارع كيف ذلك الشَّاب يفكّر وأين يسير، وفي الدَّار كيف تعيش الزَّوجة والزَّوج دون أن يكون أحدهما آلةً من آلاتِ جهنم تحطم غيرها ونفسها. وكيف نرى المختلف في الدِّين والسِّياسة والفكر، كلهم سوف يبدون أوضح وأنصَع دون أن يكونوا نحن أو نكونَ هم!

أجمل ما في هذه النَّظارات أنها ترينا عيوبنا ومناقصنا بكلِّ وضوح فتشغلنا عن عيوبِ النَّاس ومناقصهم!

وعينكَ إن أبدت إليكَ مساوئًا
فصنها، وقل: يا عين للنَّاسِ أعينُ

وعاشر بمعروفٍ، وسامح من اعتدى
وفارق، ولكن بالَّتي هي أحسنُ

مستشار أعلى هندسة بترول