آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

الاعتدال

محمد أحمد التاروتي *

تحقيق التوازن والاعتدال في مختلف الأمور، عنصر حيوي في السير نحو الهدف وفق خطوات ثابتة، فالاعتدال يجنب الانسان ”الافراط والتفريط“، انطلاقا من قاعدة ”خير الأمور اوسطها“ وبالتالي فان الوقوف على الاعتدال عملية أساسية في رؤية الكثير من الأمور، لاسيما وان الافراط والتفريط يفقد المرء المؤشر الحقيقي للوصول الى الهدف المنشود، نظرا لانعدام القدرة على رؤية الأمور بالشكل الصحيح، مما يتسبب في الاتجاه في اقصى الشمال او اقصى اليمين، جراء الافتقار للقدرة على الاختيار السليم.

الاعتدال يكشف مستوى الوعي وعدم الانخداع بالدعاية على اختلافها، فالوعي يحفز على التريث، وعدم الاستعجال في اتخاذ المواقف في جميع الظروف، خصوصا وان المواقف المتخذة نتيجة الضغوط الخارجية او الداخلية، تكتسب بعض الاستعجال وعدم القدرة على تصويب الهدف بالاتجاه الصحيح، نظرا لوجود اطراف خارجية او داخلية تدفع باتجاه التحرك نحو جهة محددة، مما يخلق بعض الإشكالات والدخول في مسارات خاطئة، انطلاقا من فقدان القدرة على الاختيار الواضح، وبالتالي فان التحرك المتوازن يساعد في تجنب بعض التداعيات المترتبة، على الوقوف بجانب بعض الأطراف على حساب الأطراف الأخرى.

معرفة التداعيات المترتبة على الافراط والتفريط، عنصر أساسي في عملية تعزيز الاعتدال في المنهجية الحياتية للفرد، فالاعتدال يدخل في جميع الشؤون اليومية، وكذلك يؤسس لنبذ الاتجاهات المتطرفة، في كافة الجوانب الدنيوية، وبالتالي فان الاعتدال قادر على اختراق الكثير من الأمور على الصعيد الخارجي، خصوصا وان التطرف او اتخاذ المواقف المساندة بعض الأطراف مقابل الأطراف الأخرى، يخلق العديد من الإشكالات ويكرس حالة من التطرف في بعض المواقف، بحيث تكون تداعياته سلبية على بعض الأشخاص، جراء مناصرة بعض الآراء على حساب الاخرين.

القدرة على مقاومة الضغوط الخارجية والداخلية، ليست متاحة للجميع في الغالب، نظرا لاختلاف القدرات على الوقوف في وجه تلك الضغوط، فالبعض يمتلك الإرادة الصلبة لمقاومة مختلف أنواع الضغوط، مما يدفعه للاصرار على موقفه الرافض، لتبني بعض الآراء المعاكسة للقناعات الذاتية، فيما البعض الاخر يفتقر للقدرة على المقاومة، بحيث يجد نفسه في اتون معركة ”لاناقة له فيها ولاجمل“، نتيجة الرضوخ للضغوط الكبيرة، وبالتالي فان الإرادة تمثل المفتاح الأساس لتحديد المسار الأنسب، فيما يتعلق بمختلف المواقف والتوجهات على الصعيد الاجتماعي.

ممارسة الاعتدال ”ثقافة“ وليست تكتيكا على الاطار العملي، فالقناعات الشخصية تدفع لانتاج الوسطية، وعدم التطرف في مختلف المواقف الحياتية، وبالتالي فان محاولة تأطير منهجية الاعتدال في ممارسات خاصة، ينم عن قصور في فهم هذه السلوكيات، خصوصا وان سلوك الاعتدال يظهر في الكثير من الاعمال، ويترجم في العديد من التعاملات على الصعيد الخارجي، انطلاقا من قناعات ذاتية تفرض الاختيار السليم، بمعنى اخر، فان الاعتدال ثقافة قادرة على الانتشار، والتوسع لتتجاوز الاطار الشخصي، لتدخل في صميم العمل الاجتماعي، بحيث تشكل نقطة انطلاق باتجاه وضع الوسطية في الثقافة الاجتماعية، عوضا من بعض الثقافات المتطرفة التي تظهر في العديد من الممارسات الخارجية، الامر الذي يضع بعض المجتمعات في اختبارات عملية، بخصوص الخيارات الواجب اتخاذها، لتعزيز ثقافة الاعتدال في التفكير الجمعي.

الاعتدال في المواقف لا يعني التخلي على المواقف الثابتة، والعمل على مداهنة بعض الأطراف، انطلاقا من المخاوف من ردود الأفعال غير المتوقعة، فالموقف المبدئي من الخطوط الحمراء، التي لا ينبغي تجاوزها، او التنازل عنها، وبالتالي فان محاولة الخلط بين المواقف الثابتة والاعتدال، يكشف الكثير من الالتباس لدى البعض، فالاعتدال لا يمت بصلة للمواقف المبدئية على الاطلاق، مما يستدعي الفصل بين ”الموقف الثابت“ والاعتدال، فيما يتعلق بالعديد من القضايا الاجتماعية.

كاتب صحفي