آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

من هنا وهناك

لا يمكننا أن ننكر أن الهمسات والأحاديث الخفية من حولنا لا تؤثر علينا نفسيا مطلقا، بل إنها قد تصيب البعض بالإحباط وينسب لها ما يداهمه من تكدر وحزن، وهذا الكلام يمكن تقبله بنحو ما حيث يستقي المرء مكانته ومقبوليته في محيطه الاجتماعي من خلال النظرة الإيجابية له، ومتى ما خدشت تلك السيرة المحمودة له بشيء من قول السوء والهمز واللمز، فذلك بلا شك سيؤثر على حيويته ونشاطه وتعامل الآخرين معه.

ولكن الحديث يدور حول مدى ذلك التأثر وبلوغه إلى تلك المستويات التي تأسره وتشل قواه وتجعله ينظر بسوداوية للمستقبل، كما أن نظرته لمن حوله قد تصيبها نظرة الشك والريبة وفقدان الثقة وتصل إلى مستوى تربص الغير بالسوء، وهذا ما يدعونا للتفكير بحل يضبط أنفسنا ويبقيها بمستوى الحكمة في التعامل، ولا ندعي أنه من السهل تجنب التأثير السلبي لكلام الناس حولنا، ولكن الحفاظ على توازننا النفسي والانفعالي يحتم علينا إحاطة أنفسنا بمناعة عنه، فالكلام القاسي الذي يوجعنا سنسمعه كثيرا من أناس حاقدين لا يريحهم نجاح وإنجاز أحد، كما أن البعض من مرضى النفوس لا تستريح قلوبهم إلا بإشاعة الفتن والسعي الحثيث بالنميمة وإثارة الضغائن بين الناس، وليس لهم من وقود لنار الكراهية إلا ببث الأحاديث الموجعة عن الآخرين، ويعملون على إثارة الإحباط في نفوس النشطين الفاعلين في المجتمع، فالكلام الجارح كذرات الهواء المبثوثة في الجو لا يمكننا تجنبها طوال الوقت، فالبعض من الاستفزازيين يجدها صنعة وًحرفة له يسوقها باتجاه إثارة أعصاب الغير.

والمشكلة تكمن في طبيعة نفوس أفراد المجتمع وثقافتهم المغلوطة والقائمة على جعل أخبار الناس مادة للتندر والتداول وبالطبع لا يثيرهم ويجذبهم إلا الجانب السيء منها، كما أنهم لا يهتمون لمشاعر الغير جراء ذلك الكلام الجارح الذي يلوكونه، ولا يلتفتون لأبجديات العلاقات الاجتماعية التي تستوجب على كل واحد مراعاة حقوق الغير ومنها احترام مشاعره وعدم جرحها بأي كلمة أو أسلوب، فكيف يمكننا أن نعيش بسلام وهدوء مع وجود مثل هؤلاء المستهترين أخلاقيا!!

محاولة تسجيل موقف من كلام الناس بسوء عنك من خلال الاهتمام به ومواجهة المتفوهين به سيكلفك كثيرا ولن يجدي نفعا، وأفضل السبل هو تجاهله وكأن شيئا لم يكن وكأنك لم تسمع أي كلمة، وما يعلي قيمتك ويثبت وجودك الفعلي هو فعلك ومواقفك الصادقة وتعاملك بالحسنى مع الجميع دون استثناء، ومجرد صدور الخطأ في فكرة أو تصرف صادر منك لا يعني إلغاء كل شيء جميل في سيرتك، ما عليك سوى الاهتمام المستمر بتحسين أدائك وقدراتك وتعاملك لا لأجل شيء وإنما من أجل تكامل وتنمية شخصيتك، فإن مجريات أمورك ليست بيد أحد من الناس بل هي بيد الله تعالى، وما علينا سوى تركيز أذهاننا حول أهدافنا وآمالنا وتطلعاتنا بدلا من تشتيت الذهن بكلام من هنا وهناك.

وكما أننا لا نتقبل الحكم على شخصياتنا من خلال كلمات متناثرة على ألسنة حاقدين أو مستهترين، فكذلك علينا التعامل بنفس المعيار فلا نحكم على شخصية أحد إلا من خلال مواقفه وليس كلام الناس، فهذه الألسن الكريهة لن تتوقف عن الكلام مهما أظهر أحدهم تلونا أمامك، فبعضهم يحاول خداعك من خلال إظهار تميزك عن الغير، فهو وإن تكلم عنهم بسوء ولكنه لا يمكن أن يطعنك في ظهرك يوما ما!!

وفي الختام نؤكد على حقيقة قد تريح النفوس تجاه ما يهمس الناس به من كلام السوء عنك وعن غيرك، فالناس لن تجتمع على تبجيل شخص حتى نسعى لإرضائهم وطلب كلام الثناء منهم، وما يستحق الاهتمام هو طهارة قلوبنا من الحقد والحسد والغيرة تجاه الآخرين، فالحياة ليست بذلك الطول الزمني حتى نضيعها بمتابعة أحاديث الناس السيء والقلق والتوتر منها.