آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

التواصل

محمد أحمد التاروتي *

الاحتكاك المباشر يكشف الطبائع البشرية، ويظهر القيم الأخلاقية ويفضح المستويات الثقافية، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانة“ وكذلك ”انكم لن تسعوا الناس باموالكم وفسعوهم باخلاقكم“ و”أقدر الناس على الصواب من لم يغضب“، ”من لم يملك غضبه لم يملك عقله“، ”الغضب يفسد الالباب ويبعد الصواب“ وبالتالي فان التواصل المباشر اقصر الطرق لاكتشاف مكنون البشر، وكذلك التعرف على الكثير من نقاط القوى ومكامن الضعف.

التواصل يدخل العلاقات الإنسانية في مسارات مختلفة، بعضها يستمر لسنوات طويلة، جراء التناغم الكامل والانسجام التام، سواء في التوجهات او القناعات على اختلافها، فضلا عن التلاقي الأخلاقي، الامر الذي يسهم تماسك تلك العلاقات لسنوات طويلة، فيما البعض الاخر سرعان ما يصاب بالترهل والضعف، سواء نتيجة اختلاف الطبائع، او بسبب اكتشاف بعض الممارسات غير الأخلاقية، او نتيجة التباين الكبير في التوجهات والقناعات الثقافية، مما يدفع بالعلاقات الإنسانية نحو القطيعة والتباعد، بحيث تصل الى حد التراشق بالكلام، وتوجيه الاتهامات في محاولة كل طرف، تحميل الطرف المقابل مسؤولية تدهور العلاقات الإنسانية.

العلاقات القائمة على المشتركات اكثر ديمومة، من الاحتكاك البشري المعتمد على المصالح، فالاولى تعتمد على ميزان القيم الأخلاقية والإنسانية في عملية التواصل، فيما الثانية تضع الاعتبارات الشخصية والنفعية في المقام الأول، الامر الذي يجعلها في مهب الريح على الدوام، بحيث تتحول الى عداوة شرسة بمجرد مرورها بأول اختبار حقيقي، وبالتالي فان عملية البناء التواصلي في العلاقات الإنسانية، تمر بمحطات متعددة قبل الدخول في مرحلة الاستقرار الدائم.

مرحلة جس النبض تمثل المحطة الأولى في تقويم العلاقات الإنسانية، فالجميع يحاول اختبار الطرف الاخر قبل الشروع في كشف الأوراق، خصوصا وان عملية الوصول الى الثقة تتطلب العديد من الامتحانات على الصعيد الشخصي، مما يستدعي التريث قبل اتخاذ القرار باستمرارية عملية التواصل مع تلك الأطراف، نظرا للتداعيات المترتبة على سوء الاختيار، سواء على الاطار الشخصي او الاجتماعي، مما يستدعي تحكيم العقل عبر انتهاج سياسة جس النبض، في البدايات لوضع الأمور في الاتجاه السليم.

الاختبار العملي يشكل المحطة الثانية في مشوار البناء التواصلي، ”عند الامتحانات يكرم المرء او يهان“، وبالتالي فان الميدان العملي يشكل الاختبار الحقيقي، في اكتشاف النوايا الحسنة من السيئة، فهناك الكثير من العلاقات الإنسانية تسقط بمجرد الدخول في الاختبارات العملية، نظرا لعدم استجابة الطرف المقابل للنداء الأخلاقي، او المسارعة لتلبية صرخة الاستغاثة في الوقت المناسب، مما يضع علامات استفهام كبرى، بخصوص مستقبل هذه العلاقات، نظرا للافتقار للانسجام والقدرة على العطاء، وانعدام التضحية في سبيل انقاذ هذه العلاقات من الاندثار، وبالتالي فان الاختبارات العملية وسيلة لكشف ”الغث والسمين“، فيما يتعلق بالكثير من الاقوال التي يحاول البعض التخفي وراءها، لاظهار النوايا الصادقة وعدم السعي وراء المصالح الخاصة، ”لا تثق بالصديق قبل الخبرة“.

البحث عن المشتركات الأخلاقية والفكرية، ومحاولة دراسة التوجهات الحياتية، تمثل المحطة الثالثة، فهناك العديد من القواسم المشتركة القادرة على بناء جسور التواصل بين البشر، نظرا لتوسع الاهتمامات وتوزيع الهموم الإنسانية، مما يفرض التواصل البشري لايجاد الحلول المناسبة، والعمل على التعاون لخلق الظروف المناسبة، لارساء تلك المشتركات في العلاقات اليومية، وبالتالي فان التواصل يشكل وسيلة للانطلاق في بناء جدار سميك، من القيم الأخلاقية والفكرية بين البشر، خصوصا وان التكامل البشري يفرض الدخول في علاقات قائمة، على المساندة الحقيقية لابداء النصح، ومحاولة البحث عن النقاط الإيجابية، ”صديقي من اهدى الي عيوبي“، ”الصديق الصدوق: من نصحك في عيبك، وحفظك في غيبك، وآثرك على نفسه“.

التواصل وسيلة إنسانية قادرة على وضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بالكثير من العلاقات الإنسانية، نظرا لامكانية الوقوف على الأمور الخافية، التي يحاول الكثير ابقائها بعيدا عن الأنظار، باعتبارها نقاط ضعف، مما تشكل خطورة في حال اكتشافها، بالإضافة لذلك فان التواصل يسلط الضوء على النقاط الإيجابية، مما يسهم في بروزها للسطح عبر العلاقات المستمرة القائمة، على القواسم المشتركة، بعيدا عن منطق الربح والخسارة.

كاتب صحفي