آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

وداعًا صديقي التلفاز - سلسلة خواطر في أوانها

تكسر خاطري تلك التقنية التي أضحت قطعة أثاثٍ مهملة في المنزل، لا يهتم بها أحدٌ في هذا الزمن. لا طفل يطلب تشغيلها، ولا يبحث عن المشغل عن بعد - اللَّهم إلا بعض القواعد من الرِّجال والنِّساء! الله، كم أغرتنا هذه التقنية في فصول الصَّيف، حين تزداد رطوبة الجو والمطلوب إدارة المتلقي الهوائي - يدويًّا - وضبطه على واحدةٍ من القنوات القليلة المتوفرة. لم يكن في بدايات حضور التلفاز إلا قنوات قليلة محدودة النوعيَّة في البرامج ومدة البث.

أظن الآن أنه لا أحد يهتم للتلفاز، ولا لأخيه المذياع، إلا في حال ساعاتِ الهروب من بكاءِ الأطفال في بعض الصور المتحركة والأصوات. فقد غادر التلفاز مكان الصدارة في عالم الترفيه الجماعي، وحل محله تلفازٌ عصري في يد كل شخص في المنزل، يشاهد ما يشاء ومتى يشاء.

ذلك الصندوق الذي كان يبث المشاهد بلوني الأبيض والأسود في بداياته سحر أعينَ وعقول الناس، ثم سحرهم مرَّةً أخرى حين تعددت الألوان وتعددت قنوات البث حتى أصبحت مئات القنوات في مطلع التّسعينات من القرنِ الماضي، تبث على مدارِ الساعة، تسلية كنا ندفع أرواحنا ثمنًا لها لو حصلت لنا في سنوات صبانا. تعددت البرامج والأهداف، واجتمع الدِّين والدّنيا والسِّياسة والمال والفوضى في صندوقٍ واحد.

مع رحيل التلفاز ترحل معه ما بقي من الحميميّة والجو الذي صنعه في المنازل والمقاهي وردهات الاستقبال والمجالس، إذ عين الكل ترى منظرًا واحدًا، وآذانهم تسمع صوتًا واحدًا. فهل من لوازم التقدم في التقنيات زوال التواصل بين البشر، فكلما جاءت تقنية واختراع لعنت سابقتها؟!

كم أشتاق أن يُكشف لنا الغطاء المستقبلي ونرى كيف ستكون عليه الحال بعد سنوات! لا مجال للعجب من تطور العلم، فلم يؤت الله منه بني آدمَ إلا قليلا، وهذا القليل يكفي لأن يسير الإنسانُ في أقطارِ السموات والأرض سنين عديدة.، يكتشف ويخترع ولا يصل إلى نهاياته إلا حين ينتهي الزمان وينتهي المكان!

مستشار أعلى هندسة بترول