آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الناصح الأمين

محمد أحمد التاروتي *

قديما قالوا ”النصيحة بجمل“، بيد ان المثل لا يسري على جميع النصائح، فهناك نصائح تقود صاحبها ”للمقصلة“، وأخرى تنقذه من الموت، نظرا لاختلاف غايات واهداف الناصح، فهناك نصائح نابعة من الضمير، وأخرى منطلقة من النفس الامارة بالسوء، الامر الذي يفسر النتائج المبهرة والأخرى الكارثية، نظرا لاختلاف المقاصد النابعة من اطلاق تلك النصائح، خصوصا وان الأحقاد والحسد تحث على تقديم النصائح المغلومة، وغير الصادقة، انطلاقا من أطماع داخلية ”قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى? شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى?“.

النصائح النابعة من القلوب الطاهرة، تحدث اثرا كبيرا في المسيرة الحياتية، وتسهم في تفادي الافخاخ العديدة، التي تواجه المرء في مسيرته للتغلب على مصاعب الحياة، كونها مرتبطة بمخاوف حقيقية، وبالإضافة كونها ”عصارة“ سنوات من الخبرة في الحياة، مما ولد حالة من الوعي الكامل بالطريقة المناسبة، للتعامل مع التحديات على اختلافها، فالنصائح الصادقة بمثابة شمعة لاضاءة السبيل نحو الصلاح والنجاح، من خلال وضع الاليات، والحلول المناسبة لمعالجة مختلف أنواع العقد الحياتية، الامر الذي يتجلى في القدرة على التعامل المناسب مع المطبات الدنيوية، نظرا لوجود اطراف قادرة على التدخل في الوقت المناسب ”هلك من ليس له حكيم يرشده“ و”ارسل حكيما ولا توصه“.

وجود القواسم المشتركة، والتفاعل المتبادل، وكذلك الرغبة الصادقة، عناصر أساسية في خروج النصائح، من الاتجاه السلبي الى الجانب الإيجابي، فهناك العديد من العوامل المساعدة في تقديم النصائح للأطراف الراغبة بدون مواربة او خبث، انطلاقا من الانسجام التام بين كافة الأطراف الفاعلة في البيئة الاجتماعية، مما يولد هموما ومخاوف مشتركة، بحيث يتجلى في الخشية من السقوط في فخ المصاعب الحياتية، الامر الذي يدفع باتجاه التحرك الجاد، لخلق البيئة المثالية للتعامل الواعي مع تلك التحديات، على الاطار الشخصي والاجتماعي في الوقت نفسه، بمعنى اخر، فان الاهتمامات المشتركة تدخل مدخلا أساسيا، في بلورة مفهوم ”النصيحة“ بطريقة إيجابية، بعيدا عن المصالح الخاصة او الدسائس، التي تحاك في الخفاء للايقاع بالاخرين، انطلاقا من مخاوف بعضها مرتبطة بالنجاح الكبير، والبعض الاخر تنطلق من مخاوف واهية، لا تستند على حقائق بالواقع الاجتماعي، وبالتالي فان الوقوف على مفاهيم مشتركة في التعاطي مع التحديات الحياتية، يسهم في تحريك النفوس بالاتجاه الإيجابي، وطرد مختلف اشكال الوسواس الشيطانية، الداعية لتقديم ”الشر“ على الخير، فيما يتعلق بالاليات المناسبة للنصائح الصادقة.

معالجة المخاوف الشيطانية المرتبطة بتقديم ”النصيحة الضارة“ على الصالحة، يتطلب اصلاح الذات والعمل على زرع البذرة الصالحة في النفوس، خصوصا وان النزعة الشيطانية تدمر النفس البشرية، وتقضي على الجانب الصالح، الامر الذي يدفع باتجاه الاضرار بالاخرين، وأحيانا ”التلذذ“ بمعاناة الأطراف الأخرى، انطلاقا من امراض داخلية بالدرجة الأولى، بحيث يتجلي في ابتكار مختلف أنواع الأساليب الشريرة، من خلال تغليف تلك الاعمال السيئة باطار ”صالح“، مما يجعله كالافعي ناعمة الملمس وبداخلها السم الزعاف، وبالتالي فان التحرك باتجاه النصيحة الصالحة، يستدعي إعادة برمجة النظرة للاخرين، فيما يتعلق بالكثير من العلاقات الشخصية، والاجتماعية، كونها مدخلا أساسيا لوضع الأمور في الاتجاه السليم.

وجود الناصح الأمين عامل مساعد في التغلب على المصاعب الحياتية، من خلال فتح ثغرة صغيرة لازاحة العتمة من العيون، خصوصا وان التحديات الحياتية تضع حجبا كثيفة على العيوب، وأحيانا تمنع العقول عن رؤية الأمور بالشكل السليم، مما يستدعي الاستعانة باطراف قادرة على إزاحة تلك الحجب المظلمة، والعمل على تزويد الأطراف الأخرى، بالوقود اللازمة لمواصلة مشوار الحياة بصلابة، وشحن النفوس بالطاقة الكبيرة، للتغلب على تلك التحديات، عبر وضع الاقدام على الطريق الصحيح، والعمل على تحفيز الذات للتحرك للامام، وترك الماضي خلف الظهور، للانطلاق بقوه نحو الهدف بعزيمة راسخة.

كاتب صحفي