آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الإفلاس والاستجداء

محمد أحمد التاروتي *

يلجأ المفلسون الى استخدام شتى الوسائل، لاخفاء الفقر الأخلاقي والقيمي، فتارة يحاولون الاستعانة بالاخرين للتواري خلفهم، وتارة أخرى باستخدام الهجوم على أصحاب المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية، انطلاقا من مبدأ ”افضل وسيلة للدفاع الهجوم“، خصوصا وان افتضاح امر هذه الشريحة يفقدها رصدها الاجتماعي، مما يعني الخسارة الكبرى وعدم القدرة على ممارسة الأدوار المختلفة، نظرا لضيق مساحة المناورة لهذه الفئة الاجتماعية، وبالتالي فان الإفلاس يدفع باتجاه استخدام بعض الوسائل ”القذرة“، وأحيانا الاقدام على خطوات غير مقبولة على الاطلاق، في محاولة للاحتفاظ بالمكاسب الاجتماعية، والتحرك في جميع الاتجاهات، لتوجيه ضربات تحت الحزام للأطراف المنافسة، من خلال اعتماد مبدأ ”التحالف مع الشيطان“.

عملية التخفي وراء الاخر لا تدوم طويلا، خصوصا وان العلاقات المصلحية سرعان ما تتلاشى، انطلاقا من ترجيح كفة الربح والخسارة، مما يدفع تلك العلاقات للتدهور او التوتر بعد فترة قصيرة، وبالتالي فان مبدأ الاستجداء بالاخر لاخفاء الفقر الأخلاقي عملية محفوفة بالمخاطر، لاسيما وان كشف الأوراق سلاح ذو حدين، مما يجعل المفلس في وضع لا يحسد عليه، فهو مهدد بافتضاح امره بين ليلة وضحاها، ”كالمستجير من الرمضاء بالنار“ وبالتالي فان محاولات الهروب للامام لاخفاء الإفلاس، ليست قادرة على الاستمرار لفترة طويلة، نظرا لوجود منعطفات حياتية غير متوقعة، مما يعيد الأوضاع للمربع الأول.

كشف الأوراق الخاصة ينم عن قصور في النظرة المستقبلية، خصوصا وان عملية التواري خلف بعض العناصر دون الوثوق فيها، لا يمثل الانتهاء من الإفلاس الأخلاقي، بقدر ما يمهد الطريق للانغماس، في طريق يصعب الخروج منه، لاسيما وان الاستجداء بالاطراف غير الامينة يترك تداعيات سلبية، نظرا لامكانية نشر تلك الأوراق الخاصة بطريقة استغلالية، بهدف الاستفادة منها في تحقيق مكاسب على الصعيد الاجتماعي، مما يعني الدخول في دوامة صعبة، بحيث يتحول الاستجداء بالاخر، الى عامل ضغط شديد على الصعيد الاجتماعي.

الاستجداء بالاخر يتخذ اشكالا متعددة، فبعضها بابرام صفقات مصلحية مؤقتة، بهدف تمرير بعض الاعمال على البيئة الاجتماعية، وممارسة الخداع على بعض الفئات بالمجتمع، فيما تعقد صفقات طويلة الاجل، خصوصا وان عملية الإفلاس تستدعي التحرك في جميع الاتجاهات، بغرض تحقيق بعض المكاسب الانية، والعمل على توسيع قاعدة النفوذ الاجتماعي، مما يحدث حالة من الرضا ”الذاتي“، والخروج من المخاوف الشديدة، النابعة من الافتقار للعناصر الأساسية لاحتلال مواقع متقدمة.

الإفلاس الأخلاقي يصعب تعويضه، باعتباره ”مثلبة“ كبرى، مما يدفع لمحاولة التخفي بشتى الوسائل، فالقيم الأخلاقية قادرة على تغطية العديد من النواقص الأخلاقية، فيما الافتقار للاسس الأخلاقية يدفع نحو ارتكاب مختلف الجرائم، من خلال اتخاذ بعض العناوين والمبررات، فتارة من خلال وضعها ضمن سياق ”الوضع القاهر“، وتارة بواسطة اعتماد ”الغاية تبرر الوسيلة“، انطلاقا من انعدام القواعد الأخلاقية، التي تمنع من الاقدام على بعض الاعمال السيئة، لاسيما وان المجتمعات تتحرك باتجاه محاصرة أصحاب الإفلاس الأخلاقي ضمن دائرة ضيقة، وعدم السماح بتجاوزها على الاطلاق، انطلاقا من المخاوف من التداعيات الناجمة، عن تحرك تلك الفئات بحرية في الساحة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان الإفلاس عنصر للافساد على الصعيد الاجتماعي، من خلال اعتماد ممارسات تخريبية في مختلف الاتجاهات، بحيث تقود الى احداث فوضى عارمة في القيم الاجتماعية الحاكمة.

الاستجداء بمثابة حيلة العاجز، فالفقر الأخلاقي يدفع لركوب القطار الخاطئ، انطلاقا من مبررات واهية، وغير عقلانية على الاطلاق، بحيث يتجلى في الاستعانة ب ”الشيطان“، في بعض الممارسات الاجتماعية، بهدف خلق حالة من الاقناع لدى بعض الفئات الاجتماعية، الامر الذي يتجلي في تبني بعض المواقف الكارثية والتدميرية، التي ترعاها بعض الفئات الشريرة في المجتمع، من اجل إخفاء الإفلاس الواضح في المنظومة الأخلاقية، لدى هذه الشريحة الاجتماعية البائسة.

كاتب صحفي