آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

خدوا التجربة من أفواه الماليزيين

عبد الرزاق الكوي

من الأشياء المهمة في الحياة التعلم من تجارب الآخرين الناجحين في مجالات تخصصهم او مشاريعهم، هذه الفئة من البشر يملكون طاقات إيجابية يمكن الاستفادة منها عن قرب او من خلال متابعة مثل تلك الإنجازات سواء على المستوى الفردي او المؤسساتي او الاجتماعي وصولا الى المستوى الدولي، فالإصلاح والتقدم لا يحتاج في هذا العصر البدء من الصفر مع التقدم التقني في مجال وسائل الإتصال ووجود تجارب ناجحة وانجازات عظيمة ومتاحة وليس من المستحيلات الأخد بها اذا توفرت الإرادة والعزيمة والإصرار، تجارب الآخرين تعطي الدافع والثقة وتطوير المهارات واخد الحيطة والحذر اثناء القيام بالعمل وما مرت عليه التجربة من فشل ونجاح تكون مخرجات المشروع متكاملة الأهداف وبجودة عالية ونتائج مرضية وتجنب الإخفاقات ويوفر الجهد والمال وهناك مشتركات وتقارب في البيئات رغم بعض الخصوصيات لكل فرد او مؤسسة او بلد، الإستفادة من تجارب الآخرين تطوير على أسس متينة وقواعد راسخة وطريق ممهد، يمكن مع العمل الجاد ان تتخطى التجربة الجديدة تجارب الآخرين بعد تطويرها وعمل إضافات ولمسات وافكار من أجل تكاملها.

فاليوم من المشكلات العظيمة المبتلى بها في كثير من دول العالم مشكلة تفشي الفقر المدقع والمتجذر وانعدام الدخل وقلة الموارد لضمان مستوى معيشي مقبول في أدنى مستوياته، فالجوع وسوء التغذية والأمراض والوفيات وانعدام الصحة والوسائل المعيشية الأخرى كلها من مسببات وويلات الفقر.

هذا الواقع يحتاج معالجة لا تقبل الانتظار سواء بحلول داخلية او من خلال تجارب خارجية على نطاق كل دوله ابتليت بالفقر بالاستفادة من تجارب الآخرين في هذا الأمر المصيري والهام، ان ينظر للإنسان ككائن مهم وان من حقه يعيش في حياة كريمة يحصل على الضروريات من شؤون حياته، ان يجعل الإنسان هدفا ووسيلة.

دول أعطت الأهمية وقيمة للفرد وانه اساس التقدم والنمو أعطته الثقة وتخطى حاجز الفقر من هذا الخط البائس ويفتح آفاق جديدة من تعليم متطور وشؤون صحية ذات جودة عالية ومسكن مريح وضمان اجتماعي يرتقي بالفرد حتى لا يكون عاله على احد.

من هذه التجارب الخلاقة التجربة الماليزية نجحت اولا في معالجة القضايا التي كانت شائكة وتؤثر على وحدة البلد وهي الاختلافات العرقية وما خلفته من تمزق في المجتمع وضحايا تحول الى مجتمع متآخي تحت مظلة واحدة وان البلد للجميع وان سلامة الجميع بالتعايش السلمي والاحترام المتبادل لجميع الأعراق وعلى قدم المساواة من أجل ماليزيا قوية وموحدة جعلت تعدديتهم مكمن قوة وليس ضعف وتشتت، الجميع تحت مظلة واحدة وفرص متساوية، هذا أعطى أمل بولادة واقع جديد لتكملة المسيرة في شؤون اخرى وهي الرقي بالشعب الماليزي وانقاذه من براثن الفقر الى طبقات ومستويات افضل، فاتخذت الخطط ودرست الأمور بواقعية وضعت الأهداف فكانت تجربتها مضرب المثل، ومن أبرز التجارب التي تكللت بالنجاح على المستوى العالمي مع وعورة الطريق والعقبات، عملت بجهد وثابرت بصبر وخلال أقل من أربعة عقود تبرز كنمر من النمور الآسيوية في عالم التقدم والقوة الاقتصادية والصناعية، وتمتلك مشاريع جبارة مما أعطاها استقلالية في قراراتها وخياراتها الاقتصادية والسياسية، بعد استتباب الوضع الاجتماعي وهو من المهمات الأولية لتقدم اي مجتمع كانت الانطلاقة الميمونة في بناء الاقتصاد، فاليوم ماليزيا تتبوء المكانة الاقتصادية الأولى في العالم الإسلامي وتمتلك بنية تحية قوية عرفت مكمن التطور هو صناعة الفرد، اعطته الثقة بالنفس وان هذا بلد الجميع وصنعت بقوتها الذاتية وخلق جيل محب لبلده ان يصنعوا مستقبل باهر رغم الإمكانيات الطبيعية المحدودة، فماليزيا لم يكن لها وجود كدولة مستقلة موحدة حتى عام 1963، شهدت نزاعات مستمرة وصراعات عرقية دموية وكانت ملكية الأراضي الصالحة للأراضي تحت يد المستعمر.

منذ السبعينات الميلادية وهي تعمل بتطوير البلد على أسس علمية مدروسة وبالاستعانة بخبرات الدول المجاورة لها وغيرها التي لها باع متقدم في التطوير الاقتصادي ومكافحة واقع من الفقر المدقع التي كانت تعيشه من مخلفات الاستعمار، عملت على جلب الاستثمار برؤية ثاقبة ومدروسة دعمت المشاريع الصغيرة، اهتمت بالتعليم وهو الرافد لكل نهضة حيث كانت نسبة الأمية في وقت من الأوقات %36 وأصبحت %6، ووصلت نسبة التعليم %94، صرفت بسخاء على النواحي التعليمية واختارت المجالات التي يحتاجها البلد ليس المهم ما تعلمت او عدد ما تعلم بل ما يستفاد منه على الواقع والتخصصات المطلوبة والهامة للنهوض بالبلد والاستغناء عن الغير، اليوم في ماليزيا تكثر فيها المدارس الذكية من اجل استيعاب التقنيات الحديثة والدقيقة ومواكبة عصر المعلومات المتسارع اصبحت الجامعات الماليزية من أفضل الجامعات والنظام التعليمي ينافس دولا كثيرة سبقت ماليزيا في هذا المجال الحيوي.

عملت بجد في كافة المؤسسات الخدمية والاستثمارية على التوزيع العادل للعقارات والأراضي الزراعية بعيدا عن المحسوبيات ومحاربة الفساد وفتح مجال الاستثمار الأجنبي المدروس مما يولد منافسات تصب في صالح البلد.

هذا العمل العظيم خفضت فيه مستوى الفقر من %52 إلى %5 حيث انخفض مستوى الفقر عدة أضعاف، ولن يتسع المجال في هذه العجالة نشر جميع المشاريع الناجحة والمتطورة والصناعات الحديثة وتطور الزراعة وجعلها رافد من روافد دعم الاقتصاد من تنمية ووضع متقدم في مجال الصادرات تحولت الى دولة صناعية مصدره في هذا المجال وتنوع مصادر دخلها وعدم الرضوخ للشروط المجحفة من قبل البنك الدول الذي يكبل دول كثيرة بشروطه التعجيزية الظالمة.

هذا العمل الجبار ينعكس على الحالة المعيشية بتوفر الأساسيات والضرورات الحياتية من مسكن وعلاج ومستشفيات والعناية بالأطفال والنساء بشكل خاص مما قلل من الوفيات وتحسن الحالة الصحية بشكل عام وتقليل الأمراض المعدية وزيادة الوعي الصحي لدى الفرد كل ذلك لانه تخلص من الفقر.

اليوم كثير من الدول على المستوى العالمي عامة والعالم الإسلامي خاصة المبتلية بمشكلة الفقر، اصبح يوجد نموذج صالح ممكن الاقتداء به وتحقيق تقدم ملموس وغير إعجازي بوجود القدوة يعطي الأمل بالإمكان فعل شيء والتقدم والنجاح أن يؤسس اقتصاد فعال والاستمرار حتى تحقيق افضل الأهداف والتطلعات، كثيرا من الدول الإسلامية انعم الله سبحانه وتعالى عليها من الثروات والمصادر الطبيعية التي لم تحظى بها دولة ماليزيا، فالقرن هو قرن التحديات والتغيرات الجذرية فالعالم يمر بمنعطفات يكون البقاء فيها للأقوى خصوصا في النواحي الاقتصادية فليس بعيد ان تكون المشاكل المعلنة والخفية ذات طابع وابعاد اقتصادية، فالاهتمام بالاقتصاد عنوان تقدم اي بلد واستقلال قراره السيادي، وان لا يكون لقمة سائغه في متاهات السياسة والمحافل الاقتصادية الدولية، لا ينقص العالم الاسلامي أراضي قابلة للزراعة، ولاتنقصها العقول فقد انتشر ابناءها في المعمورة يقدمون الاكتشافات والابتكارات، فالنموذج دولة ماليزيا من دول العالم الثالث عملت وواكبت التطور لتصبح في مقدمته، ما يحتاجه العالم الإسلامي موجود على طبق من ذهب تقدمه التجربة الماليزية للأفراد والمؤسسات والدول، صبرت وناضلت ونفدت على الارض ونالت ماتصبوا له، اليوم ماليزيا منفتحة بصدر رحب وسياسة واقعية على العالم تتبادل تجربتها وما حققته مع الجميع.