آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

التطور الثقافي

محمد أحمد التاروتي *

النضوج الفكري للمجتمعات البشرية، مرتبط بالتطورات المتلاحقة على الأرض من جانب، ووجود هوامش واسعة للتعبير عن الآراء من جانب اخر، لاسيما وان التخلف الاجتماعي يقضي على الابداع البشري، ويعطل النمو العقلي لدى المجتمعات الانسانية، بالإضافة لذلك فان الكبت بمختلف انواعه يتركه اثره السلبي، على العطاء الثقافي في البيئات الإنسانية، خصوصا وان عملية التطور الثقافي مرهونة بوجود البيئة الحاضنة، لاستيعاب مختلف التيارات الفكرية، والعمل على حمايتها من الأفكار الطاردة.

القفزات الثقافية التي تعيشها المجتمعات البشرية، تختلف باختلاف البيئات الحاضنة من جانب، والقدرة على استيعاب وتقبل بعض الآراء ”الغريبة“ من جانب اخر، فاذا وجدت العقول القادرة على تفهم تلك القفزات الثقافية غير المألوفة، فان المسيرة الثقافية ستواصل مشوارها نحو البناء الفكري في مختلف المجالات الحياتية، ”الناس أعداء ما جهلوا“، لاسيما وان عملية التطور الثقافي تراكمية وليست طارئة، او مفاجئة على الاطلاق، فالمجتمعات البشرية التي تعيش بحبوحة الترف الثقافي، واجهت في بداياتها مخاضات عسيرة، سواء بالنسبة لطريقة تقبل الآراء الجديدة، او محاربة الفكر القديم السائد، الامر الذي ساهم في حوض معارك ضارية، خلفت الكثير من التضحيات والعديد من التنازلات، للوصول الى مرحلة الترف، التي تعيشها تلك المجتمعات في المرحلة الراهنة.

التطور الفكري لدى البشر مرهون، بالقدرة على التأقلم مع التحولات الاجتماعية، فالمجتمعات الجامدة غير قادرة على الاستجابة السريعة والمتوازنة مع التغييرات المتلاحقة، مما يجعلها غير قادرة على قراءة الوضع القائم، مما يمنع الشرائح الاجتماعية من الحصول على النضج اللازم، لوضع الاليات المناسبة لمسايرة الواقع الجديد، حيث تعمل على وضع العصا في العجلات، في محاولة لايقاف مسيرة التطور، وبالتالي الدخول في مواجهة مباشرة وغير متكافئة في أحيان عديدة، بحيث تفضي لاستنزاف الطاقات، واستهلاك الوقت، بمعنى اخر، فان التطور الثقافي البشري يتطلب التحرك بوعي، باتجاه الاستجابة المتوازنة مع التحولات الاجتماعية، لاسيما وان محاولة الوقوف في وجه إعصار تلك التحولات، يخلف المزيد من الخسائر، ويقضي على المسيرة الطبيعية لدى البشر، فالبشرية تحاول الارتقاء بالثقافة بواسطة الانسجام، مع التطورات المتلاحقة في الكثير من المجالات الحياتية.

عملية التطور الثقافي تقرأ في العديد من المشاهد الاجتماعية، فاختلاف النظرة تجاه بعض العادات الاجتماعية السائدة، يمثل احد التحولات الحقيقية في عملية التطورالثقافي الاجتماعي، خصوصا وان سيطرة النظرة ”السلبية“ تجاه بعض الممارسات الاجتماعية، يشكل احد الأسباب وراء انتشار النظرة المعارضة، وبالتالي فان الاختلاف الحاصل مرتبط بارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي من جانب، ووجود عناصر ضاغطة باتجاه احداث تغييرات جوهرية في الثقافة الاجتماعية من جانب اخر، الامر الذي يفضي لحالة من الصراع الداخلي في البداية، ولكنه سرعان ما يتحول الى ثقافة يومية، وليست مستغربة على الاطلاق، بحيث يترجم بنوع من القبول العام وعدم الامتعاض، او المعارضة تجاه تلك الممارسات ”المحظورة“ سابقا.

التطور الثقافي الاجتماعي ليس مدعاة لمجاراة بعض الممارسات غير الأخلاقية او غير الإنسانية، فالقيم الأخلاقية تبقى المعيار الأساسي لتقييم الكثير من السلوكيات البشرية، بحيث تمثل المؤشر الحقيقي في تحديد الاتجاهات الاجتماعية، وبالتالي فان محاولة رسم مسارات خاطئة على اعتبارها ضمن سياق التطور الثقافي، عملية غير مقبولة وتكشف نوعا من التخبط وعدم القدرة على الاختيار السليم، مما يستدعي وضع الأطر الحاكمة في تحديد الخط الثقافي المسموح، والعمل على تحريك البيئة الاجتماعية باتجاه التصويب نحو الأهداف الأخلاقية، وتعظيم القيم الإنسانية بالتوازي مع الايمان الكامل، بأهمية التطور الثقافي في بناء الكيانات البشرية.

وجود التوازن في الخط الثقافي الإنساني، عملية ضرورية لضبط الايقاعات والسيطرة على الوضع، لتفادي خروج الأمور عن السيطرة، والدخول في المناطق المحظورة، فالمجتمعات البشرية الساعية للبناء الثقافي السليم، تتحرك باتجاه الاستثمار في العقول، والحيلولة دون تدميرها بوسائل غير الأخلاقية، او تبني قيم غير إنسانية، فالتطور الثقافي يهدف لبناء الانسان، وليس تحطيمه، والحط من قدره، عبر نشر بعض المفردات الثقافية الهابطة، وغير الصحيحة.

كاتب صحفي