آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

لو كان الفقر رجلا

عبد الرزاق الكوي

في هذا العصر الذي يفخر بتقدمه وتطوره في جميع مجالات الحياة التكنولوجية يغفل فيها عن اهم المتطلبات الإنسانية، وهي من أبسط الحقوق ومتاحة في الواقع لو فعل مبذأ المصالح المشتركة وحقوق الانسان، لكن الظلم المستشري على النطاق العالمي يحارب الفقير في لقمة عيش قليلا ثمنها، فخلال شهر كامل لا يتعدى مصروف الفقير بضع دولارات، هذا الواقع المزري والمخزي في عالم تكتنز فيه ترليونات الدولارات وفقراء في ارجاء العالم مشردين ومهجرين يبيعون عضو من أعضاء جسدهم حتى يلبيون بعض احتياجاتهم لأيام معدودة في ظل إنسانية معدومة، لم يبقى شيء للفقير سلبت أرضه وبيئته ولم يسلم حتى جسده، لكل عضو ثمنه بأثمان قليلة يستغلون حالة الفقر والجهل وعدم الحماية ليباع في المزاد العالمي للأغنياء بأثمان باعضة يموت الفقير جوعا او بعد استئصال جزء من جسده فلم يعد مهما بعد أخد العضو منه، لا يجد عناية طبية او رعاية صحية يعود لواقعة ليزيد همه ليس فقرا فقط بل مرض قاتل او إعاقة مستدامة، وصل هذا الحال المزري الى العالم العربي بعد الربيع المشؤوم، شردت شعوب وهجرت في اصقاع الأرض واصبحت تحت إجرام المافيات العالمية والمتاجرة بالبشر، كلها سياسات مخطط لها ومحضر لان يصل المجتمعات لهذا المستوى من المهانة، ذهبت كرامة الإنسان واستحلت أرضه وانتهك شرفه وجسده لمن يدفع أكثر.

سلام الله عليك يا أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب القائل:

«مارأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع».

قدم للانسانية أبلغ الدروس وهو تحت ظله أجزاء متفرقة من الخلافة، بدأت خلافته وهو يشاهد الفقراء من حوله، فلم تغمض له عين ولم يهدأ له بال حتى يحل مشكلة الفقر، أهتم الإمام علي من موقعه القيادي للأمه بشؤون الفرد الحياتيه وجعل من اهتماماته المصيرية محاربة الفقر وهو القائل وهو البطل الذي لم يستعصي عليه عدو بما ملك من شجاعة وإقدام «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، كلمات قليلة احرفها عظيمة في معانيها، ان الفقر عدو للإنسانية، أعطى الكثير من اهتمامه قبل وأثناء خلافته بهذا الشأن، بعد ان اصبح حال الامه لا يسر وانتشر الفساد والطبقيات الى حدود لا ينبغي السكوت عنها، تحتاج الى حلول جذريه تساعد الفقراء في حياة كريمة.

عرف الإمام وهو صاحب الفكر الرسالي والقران الناطق، ان حل مشكلة الفقر ليس بطرح النظريات والخطب الرنانة والآمال وغض الطرف عن قوى الفساد، بل حماية الامه من شر قد وقع وله أسبابه وطرق علاجه، فوضع الأسس والضوابط الدقيقة لكافة شؤون الامه بدون محسوبيات، وعين الولاة الاكفاء في جميع الأمصار من أجل تطبيق مشروعه الإصلاحي وهو اهلًا لذلك بما حباه الله تعالى من القدرة والروح القيادية في قيادة الامة الى بر الأمان، جعل الجميع تحت عين المساواة في العطاء والعمل النزيه في توزيع خيرات الامه لمستحقيها، فقد كان لا يتورع في عزل اي والي يصدر منه اي تقصير في حق فرد من أفراد المجتمع، فقد وضع كل ولاته تحت العين والمراقبة لأهمية دورهم ومسؤوليتهم الشرعية، يتفقد أعمالهم ويحثهم على القيام بعملهم بأمانة واخلاص والرفق بضعفاءهم بدون محاباة

لأحد، لا فرق في الديانة او العرق او اللون، وهذا ما تعانيه البشرية في هذا العصر من محسوبيات بين عرق وعرق ولون بشره وغيرها من الأمور المأساوية التي ابتليت بها البشرية.

انتهج سياسة اقتصادية تنتهي بالأمة إلى تطبيق العدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروة، طبق كل ذلك على نفسه وعلى أفراد عائلته حيث قال :

«ولو شئتُ لاهتديتُ الطريقَ إلى مصفّى هذا العسل، ولُبابِ هذا القمح، ونسائجِ هذا القزِّ، ولكن هيهات أن يغلبَني هواي، ويقودَني جشعي إلى تخيُّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز وباليمامة من لا طمع له في القُرص، ولا عهد له بالشّبَع! أوَأبيتُ مِبطاناً وحولي بطونٌ غرثى، وأكبادٌ حرَّى، أو أكون كما قال القائل:

وحَسْبُكَ عاراً أنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ... وحَوْلَكَ أَكْبادٌ تحِنُّ إلى القِدِّ».

فالفقر في نظر أمير المؤمنين وراء كثير من الكوارث التي تحل بمجتمع من المجتمعات، «إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر: خذني معك». لما يأتي من وراء الفقر من تدهور الوضع الاجتماعي وأمراض صحية ونفسية وانعدام الأمن وما يتولد منه من انحرافات اجتماعية من إجرام ومخدرات وسرقة وتفكك اسري وغيرها.

فأعلن :

«اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ اَلَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَ لاَ اِلْتِمَاسَ شَيْ ءٍ مِنْ فُضُولِ اَلْحُطَامِ وَ لَكِنْ لِنَرِدَ اَلْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَ نُظْهِرَ اَلْإِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ فَيَأْمَنَ اَلْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُقَامَ اَلْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ»

رغم ان فترة خلافة امير المؤمنين الامام علي ، تخللتها حروبا ظالمة وفتن لا قبل بها، وتجنيد قوى لا تريد الخير للأمة وبقاء الإسلام المحمدي قام بواجبه الدفاعي عن مكتسبات الأمة والدفاع عن قيم الإسلام، حروبا كلفت الخلافة كثيرا من الناحية الاقتصادية، حروبا حصدت عشرات الألوف من المسلمين، خلفت كثير من الموتى والجرحى والأرامل والأيتام في حاجة ماسة للمساعدة ومراعاتهم بعد فقدهم المعيل، فعمل الإمام كواجبه الشرعي ومسؤوليته ان يعتبر جميع الأيتام والأرامل والمصابين من جراء الحروب تحت مظلته ورعايته الشخصية، فما ذكر العدل والموساوة الا ذكر الإمام علي ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه واله «علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار»، فهو القران الناطق والصوت الصادق والسراط المستقيم، كانت حياته الشريفة فداء لقيم السماء وتحقيق العدالة على الأرض، لم يكن عمله شعارا من أجل منصب او مكاسب دنيويه وهو الزاهد العابد، كان مشروعا إصلاحياً جسد فيه روح الإسلام حريصا على بيت مال المسلمين، لدرجة امتناعه ان إشعال سراج بيت المال اذا كان الشي لا يتعلق بشؤون المسلمين، كان من مبادئه ترشيد النفقات الغير ضرورية واستعمالها فيما ينفع الناس، وفتح آفاق من تحسين الوضع الاقتصادي لهم ان يفتح مجالات للعمل وتخفيف البطالة والاستفادة من الزكاة والخمس في أماكنها المشروعة في استراتيجيات واضحة المعالم لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والتخلص من مشكلة الفقر، وهو العارف بخطره وخطر ان يبيت فرد من أفراد المجتمع جائع، وهو جرب الجوع في حياته عند حصار قريش للنبي صلى الله عليه واله، وعرف معنى الجوع خلال حياته وهو يعيش كأضعفهم، كان القدوة الحسنة وهو المعلم بعد وفاة الرسول الأكرم، لم تغير الخلافة حياته وأموال الخراج تحت يديه، بل كانت توزع على شؤون الخلافة وحمايتها والاهتمام بالوضع الاقتصادي للناس، لم تجعله كل تلك الأموال ان يركن للإسراف ومتاع الدنيا، استغل جميع إمكانيات الخلافة ومواردها حتى لا يوجد فقير.

قال : «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج».

حياة الامام عامرة بالقيم الذي تحتاجها البشرية في عالم سماتها سوء الأحوال الاقتصادية والأوضاع المزرية للبشرية تحت خط الفقر يتساقطون موتى من الجوع تحت أعين الهيئات الدولية والقوى المسيطرة على الاقتصاد العالمي.