آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

ثقافة الخرافة

محمد أحمد التاروتي *

سيطرة الخرافة على الثقافة الفردية مشكلة قائمة، لدى العديد من المجتمعات البشرية، فهذه الثقافة التدميرية قادرة على تكريس قناعات شاذة وطارئة، مما يدفع نحو التراخي وعدم انتهاج الاسباب الطبيعية في الارتقاء والتقدم، وبالتالي اعتماد اليات الكسل والقفز على الحقائق، ومحاولة رسم مسارات لا تنسجم مع المنطق العقلاني، وتتجاوز عوامل النجاح الاعتيادية.

ثقافة الخرافة تجد طريقها للتمدد في البيئات المتخلفة في الغالب، ولكنها تنشط كذلك في بعض المجتمعات المتقدمة، نتيجة بعض العوامل القاهرة والظروف الصعبة، مما يدفع البعض للتشبث بالحبال المقطوعة، في سبيل التخلص من حالة اليأس، والهروب من الواقع المعاش، بواسطة اللجوء الى الخرافة، باعتبارها طوق النجاة من تيارات الحياة الجارفة، وبالتالي فان الضغوط الاجتماعية والاحساس بالفشل وعدم القدرة على مواجهة الحياة، عناصر مساعدة في الارتماء في حصن الخرافة بمختلف اشكالها.

وجود البيئة الحاضنة لانتشار الخرافة في الثقافة اليومية، عنصر اساسي في تنامي هذه الظاهرة، وبروز بعض الفئات الداعمة، لهذه النوعية من الثقافة، فالخرافة ليست قادرة على النمو في البيئات الطاردة على الاطلاق، نظرا لانعدام التربة الصالحة لتغلغل هذه الثقافة، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يفسر سرعة انتشار الخرافة في البيئات المتخلفة، حيث يلاحظ تزايد العناصر الداعمة للخرافة في تلك المجتمعات، خصوصا وان تدني المستوى الثقافي يسهم في خداع غالبية الفئات الاجتماعية، بحيث يتجلى في تصدر اصحاب الخرافة المشهد الاجتماعي، مقابل تواري حملة الفكر التنويري، نتيجة القبول الجارف لثقافة الخرافة، مقابل الوقوف في وجه الثقافة التنويرية والإصلاحية.

مواجهة ثقافة الخرافة يتطلب امتلاك الادوات اللازمة، لتعرية هذه النوعية من المفاهيم الخاطئة، من خلال وضع البرامج القادرة على الرفع من المستوى الثقافي، والعمل ابطال مفعول الخرافة بواسطة المفاهيم العقلية، وعدم الانجرار وراء بعض الخدع، والتحرك باتجاه التعاطي بوعي مع الخرافة، باعتبارها معول هدم، وعنصر في تكريس الواقع البائس في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الخرافة تعمل على تعطيل العقول، وتدفع باتجاه الانسياق وراء بعض القناعات الخاطئة، وغير المنسجمة مع الحقائق العلمية، ء او المتفاعلة مع النظرة الطبيعية للأمور.

النظرة العقلانية للأمور، ومعالجة المشاكل وفقا للأسباب الطبيعية، والعمل خلق المناخ العلمي، في العديد من القضايا الاجتماعية، عوامل داعمة لطرد الخرافة من الثقافة اليومية، وتحكيم العقول في التعاطي مع الظواهر الخارجية، خصوصا وان عنصر خرق الطبيعة ليس واردا في جميع الامور، فهناك ظواهر يمكن تحليلها علميا بمجرد إرجاعها لأهل الاختصاص، مما يقضي على محاولات إلصاق تلك للظواهر الخارقة، الى بعض الممارسات الخفية، وبالتالي فان الاستجابة لنداء العقل، والنظرة العلمية للأمور، يساعد في تقييد مساحات الخرافة في الثقافة الاجتماعية، وخلق اجيال قادرة على القراءة العقلانية، عوضا من التسليم الكامل لثقافة الخرافة، بمعنى اخر، فان ثقافة الخرافة تلعب دورا تخريبيا في العقول، وتعطل الخطط المرسومة لدفع عملية التنمية والعطاء، وفقا للمسببات الطبيعية، نطرا لوجود شرائح غير قادرة على تجاوز القناعات الخاطئة من جانب، والعمل على بث تلك الخرافة في البيئة الاجتماعية من جانب اخر.

الظواهر الخارقة ليست مستنكرة، حيث توجد العديد من الظواهر الخارقة، ولكنها تبقى الاستثناء في مختلف الشؤون الحياتية، فارجاع جميع الظواهر الخارقة للقدرات الاستثنائية، التي يمتلكها البعض، او محاولة تجييرها لبعض القناعات السخيفة، ينم عن وجود ثقافة خاطئة في العقول، ويكشف مدى تغلغل هذه النوعية من الثقافة في العقول، الامرالذي يستدعي معالجة هذه الظاهرة بما يعيد التوازن للعقول، والعمل على اعادة برمجة الأمور، عبر تشكيل ثقافة بديلة قادرة على انتشال الأجيال، من مستنقع الخرافة والعبور الى شاطئ الامان.

بكلمة ثقافة الخرافة غير قادرة على بث الحماس في مواجهة التحديات والمصاعب، وكذلك احداث خمول عقلي للبحث عن المعالجات العلمية للكثير من القضايا الاجتماعية، خصوصا وان الخرافة تمتلك القدرة على نخر الثقافة العقلانية، وتكريس بعض المفاهيم التدميرية في النفوس، الامر الذي يكرس واقعا مرا تكون اثاره التخريبية واضحة، في مختلف المجالات.

كاتب صحفي