آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الأدوار الثانوية

محمد أحمد التاروتي *

تسخير الصغار لممارسة أدوار ثانوية في مختلف المجالات الحياتية، احدى الأساليب المألوفة لدى صناع القرار وأصحاب الشأن، فهناك بعض الاعمال تستدعي اشراك الصغار في ادارتها، سواء نتيجة محدودية الأثر فيها، او بسبب إعطاء بعض الشأن للصغار لضمان الولاء، مما يدفع لتحويل بعض الأدوار الثانوية كتعبير عن صدق النوايا تجاه الصغار.

تلهف الصغار للقيام بتلك الأدوار الثانوية، تارة نابع من الجهل بما يجري خلف الكواليس من خطط ودسائس، وتارة أخرى كنوع من اظهار الولاء التام للكبار، ومحاولة الحصول على الرضا، وعدم الاقدام على اجراء يثير غضب ”العم“، الامر الذي يفسر الاقبال غير الواعي على اتقان الأدوار الثانوية، والحرص على القيام بادائها على الوجه الاكمل، بهدف إعطاء صورة إيجابية عن الإمكانيات المتوافرة من جانب، والعمل على ضمان أدوار ثانوية أخرى في المستقبل القريب من جانب اخ، خصوصا وان الفشل في اتقان الأدوار البسيطة، يمثل النهاية للصغار في مشروع ضمان الحماية الضرورية في المراحل القادمة.

ابراز الأهمية القصوى للادوار الثانوية، احد الأساليب التشويقية للكبار في ممارسة ”التسلية“ مع الصغار، فالكبار يعمدون لابراز الأدوار الثانوية بطريقة تبدو كادوار رئيسية، بهدف ضمان الاتقان والحرص على اجادتها بشكل تام، خصوصا وان اظهار الأدوار الثانوية بشكل باهت وبارد، ينعكس على طريقة أدائها من لدن الصغار، مما يستدعي وضع ”البهارات“ الحارة على تلك الأدوار، لتحقيق الغايات المرسومة من وراء ”رمي“ تلك الأدوار على الصغار، الامر الذي يفسر انكباب الصغار على ضمان الحصول على تلك الأدوار، كنوع من التنافس للحصول على الرضا، والعمل على حجز مقعد ضمن مقاعد الولاء المطلق، للكبار في صراع البقاء بمختلف المجالات الحياتية.

وجود الحاجة الماسة للحماية، وكذلك انعدام الإمكانيات اللازمة، لمواجهة التحديات الحياتية، فضلا عن البحث الدائم عن الظهر القوي، عناصر أساسية يعمل الكبار على استغلالها بطريقة ذكية، في لعبة التحايل والإهانة الممارسة تجاه الصغار، فالعملية لا تدخل ضمن تبادل المصالح، بقدر ما تمثل حالة من الاذلال والإهانة للصغار، نظرا لادراك كل طرف لحدود الإمكانيات المتوافرة، مما يتطلب الاستفادة من تلك الأوراق الرابحة، في سبيل تحقيق الغابات، بمعنى اخر، فان عملية رمي الأدوار الثانوية، لا تدخل في باب فتح الطريق امام الصغار للصعود، والانطلاق في الحياة، من خلال العمل التدريجي وصولا لاداء الأدوار الرئيسية، وانما تدخل في باب الاستغلال غير الأخلاقي، بهدف الاستفادة من طاقات الصغار في تحقيق الغايات الخاصة، بحيث يتم الاستغناء عن الصغار بمجرد احتراق ورقتهم، والتحرك السريع للبحث عن ضحايا جديد، وبالتالي فان مبدأ تبادل المصالح بين الصغار والكبار، يكاد يكون معدوما في أحيان كثيرة، نظرة لسطوة احد الأطراف على الاخر، وامتلاك جميع الأوراق الرابحة، مما يستدعي تحريك الطرف الضعيف في الاتجاهات، التي تصب في مصلحة الطرف القوي.

لعبة الكبار تتلمس في مختلف الممارسات الحياتية، فتارة تكون بين الدول الكبرى والبلدان الصغرى، وتارة تكون بين بعض الافراد أصحاب النفوذ والأخرين الضعاف، وبالتالي فان محاولة حصرها ضمن حدود ضيقة، يتنافى مع المنطق الساري في الحياة، نظرا لاستمرارية الاستغلال السيئ، سواء في تعاملات الدول الكبرى مع البلدان الصغرى، او فيما بالعلاقة القائمة بين أصحاب النفوذ الاجتماعي مع الشرائح الضعيفة، مما يعمق هذه اللعبة في مختلف المجالات الحياتية، بحيث تظهر في بعض الممارسات المفصلية، وأحيانا تتخذ منحى بعض الممارسات الصغيرة، فالقاء الأدوار الثانوية لا يؤطر بحدود على الاطلاق.

الالتفات لخطورة أداء الأدوار الثانوية لتحقيق مصالح الكبار، مدخل أساسي في إعادة برمجة العلاقات القائمة بين الكبار والصغار، من خلال تحديد الجوانب الإيجابية، ورصد العناصر السلبية، من وراء الاقدام على أداء الأدوار الثانوية، مما يؤسس لعلاقة قائمة على تبادل المصالح، وتفويت الفرصة على الكبار، لاستغلال طاقات الصغار في تحقيق مآرب خاصة، وبالتالي فان القراءة الواعية لنوعية العلاقة تؤسس لعلاقات تشاركية، قائمة على تحقيق المصالح المتبادلة، بعيدا عن الاستغلال السيء، الذي يحاول الكبار تكريسه في مجمل العلاقات القائمين بين الطرفين، في جميع المجالات المشتركة.

كاتب صحفي