آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

النتيجة صفر

محمد أحمد التاروتي *

المكاسب المترتبة على الصراعات الدموية، ليست مضمونة على المدى البعيد، فالفرحة المصاحبة لتحقيق الانتصار تكون مؤقتة وليست دائمة في الغالب، انطلاقا من قاعدة ”الأيام دول“ و”كما تدين تدان“، مما يحفز احد الأطراف المستفيدة على الانقلاب على الصديق، والاستحواذ على المكاسب الكبرى، سواء نتيجة الخلاف على تقاسم الغنائم، او لمحاولة السيطرة على الأمور بشكل مطلق.

التاريخ يتحدث عن الخسائر الفادحة الناجمة، عن اشعال الصراعات على اختلافها، جراء الويلات المصاحبة لتلك الصراعات، فالخسائر لا تقتصر على طرف دون اخر، فالجميع خاسر ولكن يبقى حجم الخسائر متفاوت من طرف لاخر، مما يدفع كل طرف لمحاولة تقليل الخسائر بواسطة الامعان في ارتكاب الفظائع، وممارسة المزيد من التطرف، بهدف احداث حالة من الخوف في الأطراف الأخرى، وبالتالي فان الصراعات لا تجلب سوى الحسرة والندامة، وعدم الاستقرار الاجتماعي، نتيجة اشعال الأحقاد الداخلية بين الأطراف المتصارعة، مما يجعل عملية إعادة الوئام للنفوس عملية صعبة، نتيجة إراقة الدماء بين الأطراف المتخاصمة.

اللجوء الى العنف والدخول في دوامة الصراعات الدموية، يكشف جانبا من الثقافة السائدة لدى الأطراف المتصارعة، فاشعال الحروب ينم عن سوء نوايا، وأطماع كبرى لدى بعض الأطراف، لاسيما وان الصراعات نافذة واسعة للاستيلاء على جهود الاخرين، والسيطرة على الساحة بشكل عام، الامر الذي يحفز البعض للعمل على اثارة الأحقاد وتحريك الخلافات، بهدف الدخول في مواجهة دامية لاقصاء الاخرين، والعمل تكريس التواجد بشكل احادي، بعيدا عن المشاركة او تقاسم الكعكة.

نشوة الانتصار واقصاء الخصوم، لا تدوم طويلا جراء وجود اطراف تحاول الانقضاض على المنتصر مجددا، ومحاولة السيطرة على المكاسب الكبرى، خصوصا وان الاختلافات الكبيرة في وجهات النظر تدفع باتجاه تعميق الخلافات، وتحريك المياه الراكدة باتجاه الدخول في المواجهة، والتصادم المباشر، مما يسهم في تقصير شهر العسل الذي يعيشه المنتصر، وبالتالي فان محاولة اظهار القوة والسطوة، في اعقاب سحق الأطراف المنافسة، سرعان ما تتحول الى كابوس مخيف، وأداة لفقدان تلك المكاسب، فالاطراف الخاسرة تحاول تجميع قواها، والبحث عن حلفاء لاعادة الكرة مجددا، لاستعادة ما خسرته، مما يدخل الجميع في دوامة لا نهاية لها، من الصراعات الدامية.

غياب الرؤية المستقبلية، يدفع باتجاه انتهاج طريق الحروب، واستبعاد الحلول السلمية، خصوصا وان الشعور بالقوة وامتلاك القدرة على حسم المعركة، في غضون فترة وجيزة، يشكل احد العناصر المحركة للدخول في المواجهة المباشرة، وبالتالي فان ضبابية الرؤية ورفض الاستمتاع لصوت العقل ونداء المنطق، يحدث حالة من التشنج لدى بعض الأطراف، مما يساعد في اشعال شرارة الصراع، والعمل على اذكاء نيران الأحقاد الداخلية، للحيلولة دون استبعاد إراقة الدماء، والدفع باتجاه القتل والدمار.

الصراعات بما تخلفها من دمار مادي ومعنوي، تتطلب الكثير من الجهود لترميمها، والمزيد من العمل لتقريب وجهات النظر، لاسيما وان الصراعات تترك شروخا عميقة في النفوس، مما يعزز الاتجاه الانتقادي، ويقضي على روح التسامح، جراء سيطرة ”العزة بالنفس“ على صوت العقلانية، وتفضيل المصالح الخاصة على المصالح المشتركة، وبالتالي فان الصراعات قادرة على احداث تحولات ثقافية جذرية في النفوس، جراء تغليب صوت الدمار على نداء البناء، والاستقرار الاجتماعي.

الشعور بالخسارة الكبرى بداية التحول صوت نداء العقل، فالاحساس بحجم الدمار المعنوي والمادي، الناجم عن ادامة الصراعات، يدفع باتجاه مراجعة القرارات، ومحاولة استخلاص الدروس، والعمل على إعادة صياغة المفاهيم الحياتية، بما ينسجم مع الواقع الجديد، خصوصا وان استمرارية الصراعات تزيد من فاتورة الخسائر، وتضاعف من الثمن سواء من الناحية المادية او المعنوية، فالجميع يتعرض للخسائر دون خروج رابح، الامر الذي يفرض حالة من مراجعة الذات، والتحرك باتجاه تصويب الجهود نحو البناء، واستبعاد خيارات الهدم، التي تكرس الواقع البائس في النفوس.

كاتب صحفي