آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

تحطيم القواعد

محمد أحمد التاروتي *

كسر الطوق الاجتماعي مغامرة محفوفة بالمخاطر أحيانا، وعملية أساسية وضرورية أحيانا أخرى، نظرا لاختلاف الأسباب وراء الاقدام على هذه الخطوة، لاسيما وان الإصلاح يتطلب احداث صدمة كبرى في الفكر السائد، بغرض الدخول في مرحلة أخرى اكثر اشراقا، وطرد الجمود المسيطر على العقل الجمعي، فيما الدخول في مواجهة غير متكافئة ومحاولة العودة للوراء خطوة ”خاطئة“، وغير مطلوبة على الاطلاق، خصوصا وان مواجهة المجتمع والعمل على تخريب القواعد السائدة، تترك اثارا سلبية على الثقافة الاجتماعية، جراء محاولة إيصال رسائل خاطئة، وغير مقبولة لدى غالبية الشرائح الاجتماعية.

التمرد على الطوق الاجتماعي، يجد أصداء متفاوتة لدى الفئات الاجتماعية، فتارة تواجه بمعارضة واسعة وغير مسبوقة، نظرا لادراك الجميع خطورة هذه الخطوة على الصعيد الاجتماعي، مما يستدعي التحرك السريع للوقوف في وجه هذه الخطوات الخطيرة، وبالتالي فان المعارضة تجد مبررات لدى غالبية الفئات الاجتماعية، خصوصا وان السكوت يسهم في تلويث الثقافة السائدة، ويمهد الطريق لدخول مفاهيم جديدة وشاذة، بينما تجد عملية التمرد مباركة واسعة من لدن فئات اجتماعية، نظرا لانسجامها مع الفكر التنويري، لاسيما وان سيطرة الثقافة الجامدة يستدعي التحرك الجاد لتحريك المياه الراكدة، والعمل على خلق البيئة الاجتماعية الداعمة لطرد الثقافة البائسة الجاثمة على العقل الجمعي.

تقييم التحركات عملية أساسية، للوقوف على الاليات المناسبة، لدراسة الوضع الاجتماعي، فالتمرد على المجتمع ليس هدفا بقدر ما يمثل وسيلة للوصول الى الأهداف المرسومة، بمعنى اخر، فان الفوضوية والعشوائية ليست قادرة على رسم معالم الطريق، امام عمليات تصويب المسيرة التنويرية، خصوصا وان العمليات الترقيعية تكون مطلوبة أحيانا وأساسية، بينما تكون العمليات التجميلية مضيعة للوقت، مما يستدعي استخدام المشرط لإزالة التشوهات الثقافية، والعمل على بناء مفاهيم جديدة وحديثة، من اجل رفد الثقافة الاجتماعية بالادوات اللازمة، لمواصلة طريق التطور في مختلف المجالات.

تحطيم القواعد عملية خطيرة في الغالب، خصوصا وان المفاهيم الاجتماعية تستند على تراكمات موغلة في القدم، وبالتالي فان محاولة نسف تلك المفاهيم ينم عن قصور في الرؤية، وانعدام في النضج، خصوصا وان القواعد الاجتماعية تجد مباركة واسعة من لدن العديد من الفئات الاجتماعية، الامر الذي يفسر الإصرار على إبقاء تلك القواعد، وعدم التهاون مع كافة التحركات الساعية، لازالتها من الضمير الاجتماعي، نظرا للتداعيات الكبيرة على الفكر الاجتماعي، وكذلك على طبيعة الثقافة الفردية، المستندة في تكوينها على مجموعة مفاهيم، ذات علاقة مباشرة بالعديد من القواعد الاجتماعية السائدة، وبالتالي فان نسف القواعد الاجتماعية يؤسس لانهاء الثقافة الفردية، وبعدها المساهمة في تدمير العقل الجمعي.

العمل على رسم صورة وردية للثقافة الاجتماعية، عملية أساسية لدى أصحاب المصالح، مما يدفع لمحاولة تصوير جميع الجهود الساعية، لتحريك العقل الجمعي بالاتجاه الاخر، بانها مساعي تخريبية وتدميرية، بهدف تأليب الشارع الاجتماعي، من اجل ضمان السيطرة على العقل الجمعي، ومنع محاولة إزالة الغشاوة المعشعشة في الثقافة الاجتماعية، فاصحاب المصالح ينظرون لمساعي التنوير بشكل مختلف تماما، عن الاهداف الحقيقية الكامنة وراء احداث تحولات جذرية في العقل الجمعي، مما ينعكس على محاولة تشويه تلك التحركات لاستقطاب العديد من الشرائح الاجتماعية، بهدف تأمين الجدار الاجتماعي القادر على الوقوف في وجه تلك المساعي التنويرية، لما تمثله من تهديد حقيقي على المراكز الاجتماعية لاصحاب المصالح من جانب، وقدرة الثقافة التنويرية على بعث البيئة الاجتماعية مجددا من جانب اخر.

ضرب القواعد الاجتماعية عملية صادمة في جميع الأحوال، سواء كانت في طريق إزالة التسربات الثقافية السائدة، او كانت في طريق نسف المفاهيم الاجتماعية القائمة، فالصدمة تولد ردود أفعال، تارة في الاتجاه الإيجابي، وأخرى في الطريق السلبي.

كاتب صحفي