قبل أن تهم بتناول القرنبيط في المرة القادمة لا تنسَ أن تمتع نظرك بعجائب نسق كسيراته
لماذا يبدو القرنبيط غريبًا جدًا؟ لقد وجدنا حلًا للمسألة الرياضية التي وراء شكله ”الفَرْكَلَاتي“
بقلم إتيان فاركوت
9 يوليو 2021
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 193 لسنة 2021
Why do cauliflowers look so odd? We"ve cracked the maths behind their "fractal" shape
Etienne Farcot
July 9,2021
هل سبق لك أن حدقت بناظريك في زهرة القرنبيط قبل تحضيرها واستغرقتك دهشة شكل أنماطه الجميلة والمذهلة؟ ربما لم يسبق لك ذلك، لو فكرت بعقلانية، لكنني أؤكد لك أن الأمر يستحق المحاولة. ما ستجده هو أن ما يبدو للوهلة الأولى كفقاعات «زهيرات» لها نظم مذهل.
إذا ألقيت نظرة جيدة عليها، فسترى أن العديد من هذه الزهيرات «الفقاعات» تبدو متشابهة وتتألف من نسخ مصغرة من نفسها «ذاتها». في الرياضيات، نسمي هذه الخاصية التشابه الذاتي «1»، وهي خاصية مميزة للأشياء الهندسية المجردة، وتسمى الفركتلات «الكسيرات، 2». لكن لماذا للقرنبيط هذه الخاصية؟ توصلت دراستنا الجديدة، المنشورة في مجلة ساينس Science «انظر 3»، إلى إجابة.
هناك العديد من الأمثلة على الفركتلات في الطبيعة، مثلًا، بلورات الجليد أو فروع الأشجار. في الرياضيات، عدد نسخ النمط الأول تستمر إلى ما لا نهاية. يمثل القرنبيط مستوى عالٍ من التشابه الذاتي، حيث يتضمن سبع نسخ أو أكثر من البرعم «الزهيرة» ”ذاته“.
القرنبيط الرومانيقي
يظهر هذا بارزًا للعيان في القرنبيط الرومانيقي «يُسمى أحيانًا القرنبيط الرومانيقي romanesco بسبب لونه، 4»، وهي إحدى الصور الأولى التي ستظهر لك جليةً لو بحثت عن ”فركتلات نباتية“ على الإنترنت. ما يلفت الانتباه في القرنبيط الرومانيقي هي البراعم الهرمية المحددة معالمها جيدًا والمتراكمة على طول حلزونات لامتناهية. على الرغم من أنه ليس جليًا بشكل فوري للناظر، إلا أن ترتيبًا مشابهًا موجود في أزهار القرنبيط الأخرى أيضًا.
توجد الحلزونيات في العديد من النباتات، وهي النمط الرئيس لنظام النبات - وهو موضوع لا زال قيد الدراسة على مدى أكثر من 2000 سنة «5». ولكن على الرغم من أن القرنبيط له حلزونيات كمعظم النباتات الأخرى، فإن التشابه الذاتي لأزهار القرنبيط «بأنواعها» فريد من نوعه. من أين تأتي هذه الميزة الخاصة؟ وهل حلزونيات القرنبيط نشأت من نفس الآليات الموجودة في النباتات الأخرى؟
أحجية علمية
منذ حوالي 12 عامًا، بدأ اثنان من زملائي في فرنسا، فرانسوا بارسي François Parcy، وكريستوف غودين Christophe Godin طرحا هذه الأسئلة بالضبط ودعاني للانضمام إلى هذا الجهد. لقد أمضينا ساعات طويلة في تفكيك هذه الزهيرات بشكل محموم، وعدّها، وقياس الزوايا بينها، ودراسة للأبحاث العلمية التي صدرت عن الآليات الجزيئية الكامنة وراء نمو القرنبيط «6»، في محاولة لوضع نماذج حوسبية واقعية لهذه الكرنب الغامض.
معظم البيانات المتاحة عن نبات رشاد أذن الفأر «الأرابيدوبسيس Arabidopsis thaliana، انظر 7» المعروف أيضًا باسم نبات زهرة الرشاد ”thale cress“. على الرغم من أن هذا النبات يُعتبر من الحشائش، إلا أنه ذو أهمية قصوى في دراسة بيولوجيا النبات الحديثة لأن وراثياته «جينتكس» قد دُرست على نطاق واسع على مدى سنوات عديدة، بما في ذلك العديد من متحوراته / طفراته «8». واتضح أنها مرتبطة بجميع أنواع الملفوف التي تنتمي إلى فصيلة تعرف باسم الفصيلة الكرنبية brassicaceae. في الواقع «9». لدى نبات رشاد أذن الفأر نسخته الخاصة من القرنبيط «10»، والتي نشأت من طفرة بسيطة منطوية على زوج واحد فقط من الجينات المتشابهة «انظر الصورة أدناه». لذا فإن وراثيات هذا النبات المتحورة تشبه إلى حد بعيد جينات القرنبيط.
رشاد أذن الفأر المتحور
لو قضيت بعض الوقت في مراقبة الفروع على طول جذع بعض الأعشاب الضارة في حديقتك، على سبيل المثال «والتي من المحتمل أن ترتبط بنبات رشاد أذن الفأر»، فسترى كيف تقتفي بعضها بعضًا عن كثب، بنفس الزاوية بين كل زوج متتالٍ من هذه الفروع. وإذا كان هناك أعضاء organs «العضو في علم الأحياء هو مجموعة من الأنسجة التي تقوم بعمل وظيفة معينة أو عدة وظائف، بحسب 11» كافية على طول هذا الحلزون، فستبدأ في رؤية حلزونات أخرى، متوجهة اتجاه عقارب الساعة وفي عكس اتجاه عقارب الساعة «انظر الصورة على أدناه».
رشاد أذن الفأر
لو تمكنت من حساب عدد الحلزونات، فستكون في العادة أرقامًا متسقة مع متتالية عدد فيبوناتشي تقريبًا «12»، حيث الرقم التالي في المتتالية يساوي حاصل جمع الرقمين اللذين قبله. مما ينتج المتتالية التالية: 0,1,1,2,3,5,8,13، إلخ. في القرنبيط المتعارف، توقع أن ترى خمس حلزونيات متجهة في اتجاه عقارب الساعة وثماني حلزونات متجهة اتجاه عكس عقارب الساعة، أو العكس «انظر الصور أدناه». لكن لماذا؟ حتى نفهم كيف تظهر هندسة النباتات طوال حياتها، نحتاج إلى الرياضيات - ولكن أيضًا نحتاج المجاهر الضوئية.
خمس حلزونيات لزهيرات متشابهة على القرنبيط في اتجاه عقارب الساعة
ثمان حلزونات لزهيرات متشابهة في عكس اتجاه عقارب الساعة على نفس القنبيط أعلاه
نحن نعلم الآن أنه لكل نبات، يتشكل الحلزون الرئيس بالفعل على مستوىات مجهرية «13». وهذا يبدأ في وقت مبكر جدًا من تطور النبات. في هذه المرحلة، تتكون من بقع «أماكن» يتم فيها تعبير جيني معين جدًا «14». الجينات المعبرة في بقعة ما تحدد ما إذا كانت هذه البقعة ستنمو إلى فرع أو ورقة أو زهرة.
لكن الجينات تتفاعل في الواقع مع بعضها بعضًا، في ”شبكات جينية“ معقدة - مما يؤدي إلى تعبير جينات معينة في مجالات محددة وفي أوقات معينة.
هذه العملية تتجاوز الحدس البسيط، ولذلك يعتمد علماء البيولوجيا الرياضية على المعادلات التفاضلية لكتابة نماذج لشبكات الجينات هذه للتنبؤ بسلوكها.
لمعرفة كيف ينمو القرنبيط في شكله الغريب بعد تشكل الأوراق القليلة الأولى، قمنا ببناء نموذج يتضمن مكونين رئيسيين. كانت هذه وصفًا للتكوين الحلزوني الذي نراه في القرنبيط الكبير، ونموذجًا لشبكة الجينات الأساس التي نراها في نبات رشاد أذن الفأر. ثم حاولنا مطابقة النموذجين حتى نتمكن من معرفة الجينات التي أدت إلى بنيوية القرنبيط.
وجدنا أربعة جينات رئيسة لها أدوار حاسمة [تشكل بنيوية القرنبيط]: الأحرف الأولى منها هي S وA وL وT، والتي من الواضح أننا قلنا نكتنا عليها. حرف ”A“ مفقود في نباتات رشاد أذن الفأر المزهرة التي تحوّرت لتصبح شبيهة بالقرنبيط، وهي أيضًا جين يدفع بالبقعة لتصبح أزهارًا.
ما الذي يجعل القرنبيط مميزًا للغاية هو أن هذه البقع في الطرف المتنامي تحاول أن تتحول إلى أزهار منذ وقت ليس بالطويل «يصل إلى عدة ساعات»، لكنها تفشل في ذلك بسبب نقص حرف ”A“. ولكنها، تتطور إلى سيقان، والتي تتحول إلى سيقان وما إلى ذلك - وتلك السيقان تتعدد «تتكاثر» إلى ما لا نهاية تقريبًا دون أن تنمو أوراقًَا، مما يؤدي إلى ظهور براعم قرنبيط شبه متطابقة.
الوقت الذي قضاه الفريق في المحاولة أمر أساس - قد سمح لنا الحصول على هذه البنية بشكل صحيح في نموذجنا بمحاكاة القرنبيط الرومانيقي بالضبط على الكمبيوتر. لقد أكدنا أن هذا كان صحيحًا من خلال تغيير النمو في نبات قرنبيط رشاد أذن الفأر المتحور الواقعي، وتحويله بشكل فعال إلى شكل يشبه إلى حد كبير شكل القرنبيط الرومانيقي المصغر.
يا لروعة هذه الطبيعة المعقدة. في المرة القادمة عندما يكون لديك قرنبيط على سفرة العشاء، خذ لحظة للاستمتاع بجماله قبل أن تأكله.