آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

ثقافة التخريب

محمد أحمد التاروتي *

إصرار البعض على القفز على الأنظمة والتشريعات، يسهم في احداث الانقلاب الفوضوي في الثقافة اليومية، نظرا لغياب الثقافة المسوؤلة من الممارسات الحياتية، مما يسهم في خلق فوضى عارمة في التعاملات اليومية، ويربك الخطط المرسومة، خصوصا وان التعدي على الأنظمة يجلب معه الكثير من الويلات، ويساعد في ادخال الجميع في حالة من الارباك الخارج عن السيطرة، انطلاقا من قاعدة ”اتسع الخرق على الراقع“، مما يؤسس للاستسلام وعدم المبالاة لحالة النخر الذاتي، الذي تمارسه العديد من الفئات الاجتماعية، جراء الشعور بحالة من اليأس، وعدم القدرة على الإصلاح.

سيطرة الفوضى في الممارسات الخارجية، يولد حالة من الضياع الذاتي، وأحيانا الشروع في تبني ثقافة ”الخراب“ على الصعيد الاجتماعي، نظرا لانتشار القفز على الأنظمة وعدم الالتزام بالتشريعات، باعتبارها الوسيلة الفضلى للحصول على المكاسب، وتحقيق الغايات بطريقة سريعة، بيد ان ضرب الأنظمة يحدث الفوضى، ويخلق العديد من المشاكل على الصعيد الفردي والاجتماعي، فالثقافة الفوضوية ليست قادرة على الحياة، او تأسيس الاستقرار الاجتماعي على الاطلاق، جراء انتشار الانانية والاطماع الذاتية على المصالح المشتركة، مما يساعد في تكريس مفاهيم وقناعات سقيمة على الاطار الفردي أولا، والتمدد بشكل سريع في الثقافة الاجتماعية ثانيا.

محاولة تخريب الاستقرار الاجتماعي، عبر نسف الأنظمة وتجاوز الأطر القانونية، تنطلق أحيانا من صعوبة تحقيق الغايات بالطريقة النظامية، مما يدفع للبحث عن الوسائل غير المشروعة، للحصول على بعض المكاسب، الامر الذي يشجع بعض الفئات على انتهاج السلوكيات الخاطئة، للعبور نحو الضفاف الأخرى، بواسطة مراكب غير قادرة على الوصول الى تلك الضفاف، سواء نتيجة عدم وجود المقومات الأساسية لصمود تلك المراكب، في وجه التيارات العاصفة، او بسبب وجود الاحمال الزائدة على متنها، مما يهدد بخطر غرقها في منتصف الطريق، وبالتالي فان خطورة الالتفاف على الأنظمة يشكل انتحارا جماعيا، على الاطار الاجتماعي، فالانظمة تمثل طوق النجاة لتفادي الغرق في الفوضى، وحماية من الخراب الداخلي.

ثقافة الفوضى قادرة على الانتشار، في البيئة الاجتماعية كالنار في الهشيم، لاسيما وان الالتزام بالانظمة يتطلب ثقافة واعية، وقدرة على تحمل تبعات القانون، فيما الفوضى تنسف جميع القواعد الساعية، لتأسيس الأرضية الصلبة للبناء الثقافي السليم، الامر الذي يدفع بعض الأطراف لمحاولة تجاوز تلك الالتزامات الصارمة، للهروب من الالتزامات، والعمل على تخريب الثقافة الاجتماعية بممارسات ”غير واعية“، من خلال تجاوز العقد الاجتماعي الساعي لتغليب المصالح المشتركة على الرغبات الذاتية، بمعنى اخر، فان الفوضى تمثل السبيل الأمثل لدى بعض الفئات الاجتماعية، باعتبارها الرهان الحقيقي لاحداث الارباك الداخلي، لدى مختلف الشرائح الاجتماعي، لاسيما وان ثقافة الفوضى تؤسس لحالة من الضياع الذاتي، جراء عدم القدرة على الاختيار الصائب، وترجيح الخيارات التخريبية على الاليات الإصلاحية، مما ينعكس بصورة مباشرة على المفردات الثقافية، لدى الشرائح الاجتماعية الساعية لاحداث الخراب الشامل، في المنظومة الثقافية الاجتماعية.

القدرة على بث ثقافة الفوضى مرهونة، بمدى تقبل مختلف الشرائح الاجتماعية للتحركات التخريبية، التي تقودها الفئات الهدامة، فالبيئة الاجتماعية الحاضنة تمثل الأرض الخصبة لنمو هذه الثقافة، وقدرتها على التمدد في جميع الاتجاهات، لاسيما وان سهولة الانخراط في ميدان التخريب يدفع نحو الانتشار السريع، فالتخريب لا يتطلب الكثير من الخبرات والمزيد من التفكير، بقدر ما يحتاج بعض الجرأة في ركوب موجة التخريب، وتجاوز الأنظمة والتشريعات، بينما البناء يستدعي الالتزام والصبر على التبعات، خصوصا وان الفوضى ليست بحاجة لتقديم بعض التضحيات، وانما تتحرك لحصد بعض المكاسب السريعة، بغض النظر على الاضرار المترتبة، على مثل هذه السلوكيات على الاطار الاجتماعي.

تبقى ثقافة الفوضى الرهان لدى أصحاب المصالح الشخصية، فهذه الثقافة اكثر قدرة على تحقيق المكاسب، بينما ثقافة الاستقرار الاجتماعي تتطلب الالتزام، وتقديم بعض التضحيات، خصوصا وان تكريس الثقافة الإصلاحية يكون بالالتزام الشامل بالقواعد الحاكمة، وعدم الخروج عن الاجماع، والإصرار على تحمل المصاعب، المصاحبة لعملية البناء بمختلف اشكالها.

كاتب صحفي