آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

بازار الدجل

محمد أحمد التاروتي *

اوجدت جائحة كورونا فرصة ذهبية لارباب الدجل للعب على الذقون، من خلال الترويج لبعض الوصفات الطبية القادرة على انهاء الفيروس، حيث تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالاف المقاطع، التي تتضمن وصفات ”سحرية“ للقضاء على الفيروس، الامر الذي ساهم في احداث فوضى عارمة في الثقافة الاجتماعية، جراء الانسياق غير الواعي وراء تلك الوصفات غير العلمية، حيث تصدر تلك الوصفات من عديمي العلم او انصاف العلماء، مما يفاقم الأمور ويرفع من المشاكل الصحية الناجمة، عن استخدام تلك الوصفات غير العلمية.

التفاعل غير الواعي مع ارباب الدجل، والمساهمة في تسويق تلك الوصفات ”الكاذبة“، يسهم في تنامي هذه الظاهرة بشكل مستمر، خصوصا وان ترويج تلك الوصفات لا يتطلب سوى امتلاك بعض الوسائل القادرة، على بث تلك الأكاذيب في الأوساط الاجتماعية، الامر الذي تقوم به بعض الفئات سواء بوعي، وبالتنسيق مع ارباب الدجل، او بدون وعي، وبالتالي فان انعدام الوعي يمثل المشكلة الحقيقية وراء نجاح ارباب الدجل، في تسويق الوصفات الكاذبة لدى بعض الشرائح الاجتماعية.

وجود المنصات الإعلامية وسهولة الوصول الى المتلقي، عناصر تصب في مصلحة ارباب الدجل، فهذه الفئة تحاول الاستفادة من التطور الحاصل في سرعة انتقال المعلومة، وسهولة انتشارها خلال دقائق معدودة، بهدف التلاعب بالمشاعر الإنسانية وكذلك تسخير الخوف المصاحب للفيروس، من خلال بث بعض العلاجات القاتلة وغير القادرة على توفير المناعة، فضلا عن القدرة في القصاء على الفيروس القاتل، خصوصا وان المنصات الإعلامية تمتلك القدرة على التلاعب بالوعي الاجتماعي، والعمل على رسم صورة مغايرة تماما للواقع، من خلال الترويج لبعض الوصفات ”الكاذبة“، ومحاولة شراء بعض النفوس الضعيفة، لبث المعلومات المغلوطة في الوسط الاجتماعي.

النصائح الصادرة من الجهات العلمية، بتجاهل كافة الوصفات التي تروجها بعض الجهات غير المعروفة، او غيرها من الجهات الأخرى، تلك النصائح لا تجد الصدى المناسب لدى العديد من الفئات الاجتماعية، الامر الذي يكشف حجم المعاناة المصاحبة للاستجابة لتلك الوصفات على الصحة العامة، فالاخطار الناجمة عن استخدام تلك الوصفات، دون استشارة طبية ليست خافية على الجميع، لاسيما وان بعض الوصفات تترك اثارا وخيمة على الجسم البشري، والبعض الأخرى يؤدي الى ازهاق الأرواح، وبالتالي فان الصراع القائم بين العلم والجهل يشكل التحدي الأكبر في المرحلة الراهنة، جراء استمرارية المعاناة الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا، على الصعيد الانساني.

الجهود الكبيرة المبذولة لتصحيح المسار، وعدم التعامل مع ارباب الدجل، ساهمت في رفع الوعي الاجتماعي، بيد ان مشوار القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، يتطلب الكثير من العمل، نظرا لوجود إمكانيات مالية لدى ارباب الدجل، في الالتفاف على التحذيرات من التعاطي مع الوصفات غير العلمية، فالتداعيات المترتبة على استخدام تلك الوصفات، تعطي دلالة واضحة على وجود فئات ما تزال تتفاعل مع ارباب الدجل، وبالتالي فان عملية تصحيح الوعي الاجتماعي باتجاه التفاعل مع الثقافة العلمية، ونبذ جميع أنواع الدجل، يشكل العنصر الأساس في الوقوف بوجه هذه الفئة، التي تحاول الاصطياد في الماء العكر.

ادراك ارباب الدجل بسهولة التأثير، على بعض الفئات الاجتماعية، يشجع على الاستمرار في عملية الترويج للوصفات القاتلة، خصوصا وان المردود المالي الكبير يشكل احد المحفزات، وراء الإصرار على بث المعلومات الخاطئة، فالعملية مرتبطة بتضخيم الموارد المالية بعيدا عن الجوانب الإنسانية، فالدجالون ليسوا في وارد خدمة المجتمع على الاطلاق، فالوصفات ”السخرية“ ليست قادرة على توفير العلاجات، بقدر ما تسهم في مضاعفة الامراض وازهاق الأرواح، حيث سجلت الكثير من حالات الوفاة جراء استخدام بعض الوصفات غير العلمية.

تصديق ارباب الدجل عنصر أساسي، في القدرة على الاستمرار في اللعب على الذقون، فالمجتمع الواعي يرفض مثل هذه الأساليب، ويقف في وجه انتشارها، وعدم السماح بنموها على الاطلاق، بخلاف المجتمع الجاهل الذي يركض وراء ارباب الدجل، عبر الترويج للوصفات الكاذبة، سواء بشكل مباشر او غير مباشر.

كاتب صحفي